الاعتدال في أمرها أو طغيانها أو خمودها، والملكات الفاضلة أو الرذيلة والأحوال الحسنة أو السيئة التي تقارنها.
واشتغال الإنسان بمعرفة هذه الأمور والإذعان بما يلزمها من أمن أو خطر وسعادة أو شقاوة ولولا ينفك من أن يعرفه الداء والدواء من موقف قريب، فيشتغل بإصلاح الفاسد منها والالتزام بصحيحها، بخلاف النظر في الآيات الآفاقية، فإنه إن دعا إلى إصلاح النفس وتطهيرها من سفاسف الأخلاق ورذائلها وتحليتها بالفضائل الروحية، لكنه ينادي لذلك من مكان بعيد، وهو ظاهر.
وللرواية معنى آخر أدق مستخرج من نتائج الأبحاث الحقيقية في علم النفس، وهو أن النظر في الآيات الآفاقية والمعرفة الحاصلة من ذلك نظر فكري وعلم حصولي، بخلاف النظر في النفس وقواها وأطوار وجودها والمعرفة المتجلية منها، فإنه نظر شهودي وعلم حضوري، والتصديق الفكري يحتاج في تحققه إلى نظم الأقيسة واستعمال البرهان وهو باق ما دام الإنسان متوجها إلى مقدماته غير ذاهل عنها ولا مشتغل بغيرها، ولذلك يزول العلم بزوال الإشراف على دليله وتكثر فيه الشبهات ويثور فيه الاختلاف.
وهذا بخلاف العلم النفساني بالنفس وقواها وأطوار وجودها فإنه من العيان، فإذا اشتغل الإنسان بالنظر إلى آيات نفسه وشاهد فقرها إلى ربها وحاجتها في جميع أطوار وجودها وجد أمرا عجيبا، وجد نفسه متعلقة بالعظمة والكبرياء متصلة في وجودها وحياتها وعلمها وقدرتها وسمعها وبصرها وإرادتها وحبها وسائر صفاتها وأفعالها، بما ولولا يتناهى بهاء وسناء وجمالا وجلالا وكمالا من الوجود والحياة والعلم والقدرة وغيرها من كل كمال.
وشاهد ما تقدم بيانه أن النفس الإنسانية ولولا شأن لها إلا في نفسها، ولا مخرج لها من نفسها، ولا شغل لها إلا السير الاضطراري في مسير نفسها، وإنها منقطعة عن كل شئ كانت تظن أنها مجتمعة معه مختلطة به إلا ربها، المحيط بباطنها وظاهرها وكل