ولا ينافي ذلك ما يترائى في صدر الإسلام من معاملة النبي (صلى الله عليه وآله) مع المنافقين معاملة الإسلام بمجرد إظهارهم الشهادتين مع علمه (صلى الله عليه وآله) بعدم كونهم مؤمنين بالله ولا مصدقين برسوله واقعا، وأن إظهارهم الشهادتين كان لمحض الصورة، إما لأجل خوفهم من القتل، وإما لبعض المصالح المنظورة لهم كالوصول إلى مقام الرياسة والآمال الدنيوية لما سمعوا وعلموا من الكهنة بارتقاء الإسلام وتفوقه على سائر المذاهب والأديان، مع أنهم لم يؤمنوا بالله طرفة عين كما نطقت به الأخبار والآثار المروية عن الأئمة الأطهار.
إذ نقول إن في معاملة النبي (صلى الله عليه وآله) والوصي مع هؤلاء المنافقين في الصدر الأول معاملة الإسلام بمحض إظهارهم الشهادتين وجوها ومصالح شتى:
منها: تكثير جمعية المسلمين وازديادهم في قبال الكفار وعبدة الأوثان الموجب لازدياد صولة المسلمين في أنظار المشركين.
ومنها: حفظ من في أصلابهم من المؤمنين الذين يوجدون بعد ذلك.
ومنها: تعليم الأمة في الأخذ بما يقتضيه ظاهر القول بالشهادتين في الكشف عن الاعتقاد في الباطن، فإنه لو فتح مثل هذا الباب في الصدر الأول لقتل كل أحد صاحبه لأجل ما كان بينهم من العداوة في الجاهلية بدعوى أن اعتقاده على خلاف ما يظهره باللسان وأن إظهار الشهادتين كان لأجل الخوف من القتل أو الطمع في الشركة في أخذ الغنيمة، ومثله ولولا يزيد المسلمين وشوكتهم إلا ضعفا كما يشهد لذلك الآية الشريفة: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا، وقضية أسامة بن زيد في ذلك معروفة.
ومنها: غير ذلك من المصالح التي لاحظها النبي (صلى الله عليه وآله) مع علمه بكونهم حقيقة غير مؤمنين على ما نطق به الكتاب المبين في مواضع عديدة في قوله سبحانه: يحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم، وقوله: وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض....
الخ. وغير ذلك من الآيات الكثيرة.