لمعرفة معناها بالطريقة التحليلية العقلية يصل إلى قوله تعالى: ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (سورة الاسراء: 85) فيعرف بذلك حدود الحقيقة التي يمكن أن يفهمها. ثم يصل إلى قوله تعالى مخاطبا خاتم أنبيائه: قل متاع الدنيا قليل. (سورة النساء: 77).
فأي دنيا هذه التي يقول الله تعالى إن متاعها قليل؟ إنها الدنيا التي زين الله سماءها بزينة الكواكب، والتي تشمل كل تلك المجرات والشموس والنجوم، وبعضها أكبر من حجم الأرض بملايين المرات، والتي لا نعرف سعتها طولا ولا عرضا، ولا ابتداءها ولا انتهاءها!
هذه الدنيا بسعتها المذهلة، وأمدها من الأزل إلى الأبد، قليلة، ومتاعها قليل!!
ونفس الذي يقول عن متاعها إنه قليل، وعن علم الناس في الدنيا إنه قليل، هو عز وجل يقول: يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب. (سورة البقرة: 269) فمن يؤت الحكمة فهذا كثير.. مطلق الحكمة، وليس الحكمة المطلقة!
أما متاع الدنيا بقول مطلق، فهو قليل قليل!
هذه قيمة الحكمة، إنها بمطلق وجودها كثير، والدنيا بوجودها المطلق قليل! وبهذا نفهم أن مدينة الحكمة في الحديث النبوي ليست مطلق الحكمة بل هي الحكمة المطلقة جمعت في هذه المدينة!
وبهذا يتضح لنا من هو علي ومدى ظلامته عليه السلام!
لكن وضوح ذلك مخصوص بالفقهاء الكمل، وفضلاء البشر الذين يدركون أن عالم المادة من البدو إلى الختم محكوم بالقلة، ومطلق الحكمة محكوم بالكثرة.