إن صاحب الحكمة المطلقة هو الشخص الذي لم يبق أمامه نقطة إبهام في الوجود إلا واتضحت، والذي تبلغ إحاطته العلمية بالوجود مبلغا يرى فيه كل الأشياء كما هي في الواقع، فهو من ناحية نظرية عالم عقلاني يضاهي آدم العيني بصورته لا بمادته! وهو من ناحية عملية إنسان متخلق بأخلاق الله تعالى حتى يكون هو اسم الله الأعظم علما وعملا!
هذا هو معنى: أنا مدينة الحكمة، بل لابد لمعرفة معنى الحكمة أن نعرف أيضا أن كل عالم الوجود إنما هو مقدمة، وذو المقدمة هو بعثة الأنبياء عليهم السلام.
ثم إن بعثة الأنبياء عليهم السلام مقدمة أيضا، وذو المقدمة هو بعثة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله ثم إن بعثة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله مقدمة، وذو المقدمة له مبدأ واحد ومنتهى واحد ومبدؤه الحكمة، ومنتهاه الحكمة! وبرهان ذلك قوله تعالى: يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم. (سورة الجمعة: 1) فالعزيز الحكيم هو المبدأ، أما المنتهى فهو تعليمهم الحكمة في ختام قوله تعالى: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين. (سورة الجمعة: 2) فمهمة النبي صلى الله عليه وآله لا تتم بتلاوته الكتاب الإلهي على الناس، ولا بتزكيتهم ولا بتعليمهم الكتاب، بل بتعليمهم الحكمة! فهي التمام، وبعدها لا كلام!
وبهذا تنفتح نافذة لفهم الحديث المتفق عليه: (أنا مدينة الحكمة وعلي بابها) ترى من هو هذا الإنسان، وماذا في قلبه، حتى صار باب مدينة الحكمة؟!
والآن حيث اتضح معنى الحكمة إلى حد، فإنها تنقسم إلى عشرة أجزاء، ومدينة الحكمة تشمل هذه الأجزاء العشرة، تسعة أجزاء يختص بها شخص