والحلبي في (سيرته) وغيرهما صحة ذلك الخبر المروي في كتبهم..
وأما إنكاره ضرب الصحابة إلى الحد المذكور فتقييده ب (إلى الحد المذكور) يفهم قبوله أصل المطلب، وهذا كاف، لكن ضرب ابن مسعود إلى حد كسر أضلاعه موجود في أخبار القوم وكتبهم، ولذا قال بعض المتكلمين بأن ضربه كان للتأديب وللإمام ذلك، وقال آخر: ضربه بعض غلمان عثمان لما رأوه يقع فيه، وكذا ضرب عمار إلى حد الفتق فقد ذكره غير واحد منهم، بل في رواية ابن عبد البر ذلك مع إضافة حيث قال: " حتى انفتق له فتق في بطنه وكسروا ضلعا من أضلاعه " بل ظاهر الخبر أنه كان مشرفا على الموت ففيه: " فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات لأقتلنا به أحدا غير عثمان " (1).
وبعضها: ما لم يكذبه ولم ينكر قدحه في الإمامة فاضطر إلى الجواب بقوله:
(وبعضها اجتهاديات مفوضة إلى رأي الإمام حسب ما يراه من المصلحة كالتأديب والتعزير، ودرء الحدود والقصاص بالشبهات والتأويلات).
أقول:
هل كان مما فوض إلى رأيه ضرب مثل أبي ذر ونفيه إلى الربذة؟ وهل يسمى مثل هذا تأديبا وتعزيرا؟ ولماذا؟
روى البلاذري وغيره: " لما أعطى عثمان مروان بن الحكم ما أعطاه، وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم، وأعطى زيد بن ثابت الأنصاري مائة ألف درهم، جعل أبو ذر يقول: بشر الكانزين بعذاب أليم، ويتلو قول الله عز وجل * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) *.
فرفع ذلك مروان بن الحكم إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذر ناتلا مولاه أن انته عما يبلغني عنك. فقال: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله وعيب من ترك أمر