وأما رده على الجهمية فإنه أنكر مقالتهم: «إن القرآن مخلوق»، وكفرهم وقال:
«هم شر من اليهود والنصارى».
مع أنه أظهر لنفسه مقالة حسين الكرابيسي: «إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وإن ألفاظنا به مخلوقة». (1) فهو في الكلام اختار ما اختاره الكرابيسي في اللفظ، وقال: «إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وإن أفعالنا مخلوقة، ومن زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله، إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة». (2) وقال الحاكم: «أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم: سمعت ابن علي المخلدي: سمعت محمد بن يحيى يقول: قد أظهر هذا البخاري قول اللفظية، واللفظية عندي شر من الجهمية». (3) وروى الذهبي: «أن رجلا سأل محمد بن إسماعيل البخاري عن اللفظ بالقرآن؟
فقال: أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا، فوقع بينهم اختلاف». (4) فعلى كل حال، إن البخاري قد أخذ اعتقاده في الكلام عن ابن كلاب والكرابيسي، كما اعترف به ابن حجر، في قوله:
«إن البخاري في جميع ما يورده من التفسير الغريب إنما ينقله أهل ذلك الفن، كأبي عبيد، والنضر بن شميل، والفراء... وغيرهم. وأما المباحث الفقهية فغالبها مستمدة له من الشافعي، وأبي عبيد وأمثالهما. وأما المسائل الكلامية فأكثرها من الكرابيسي، وابن كلاب ونحوهما». (5)