سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٣ - الصفحة ١٠٠
قال أبو عبد الله المحاملي: رأيت داود بن علي يصلي، فما رأيت مسلما يشبهه في حسن تواضعه (1).
وقد كان محمد بن جرير الطبري يختلف إلى داود بن علي مدة، ثم تخلف عنه، وعقد لنفسه مجلسا، فأنشأ داود يتمثل:
فلو أني بليت بهاشمي * خؤولته بنوة عبد المدان صبرت على أذاه لي ولكن * تعالي فانظري بمن ابتلاني (2) قال أحمد بن كامل القاضي: أخبرني أبو عبد الله الوراق: أنه كان يورق على داود بن علي، وأنه سمعه يسأل عن القرآن، فقال: أما الذي في اللوح المحفوظ: فغير مخلوق، وأما الذي هو بين الناس: فمخلوق (3).
قلت: هذه التفرقة والتفصيل ما قالها أحد قبله، فيما علمت، وما زال المسلمون على أن القرآن العظيم كلام الله، ووحيه وتنزيله، حتى أظهر المأمون القول: بأنه مخلوق، وظهرت مقالة المعتزلة، فثبت الإمام أحمد ابن حنبل، وأئمة السنة على القول: بأنه غير مخلوق، إلى أن ظهرت مقالة حسين بن علي الكرابيسي (4)، وهي: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن ألفاظنا به مخلوقة، فأنكر الإمام أحمد ذلك، وعده بدعة، وقال: من قال:
لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن، فهو جهمي (5). وقال أيضا: من

(١) تاريخ بغداد: ٨ / ٣٧١.
(٢) تاريخ بغداد: ٨ / ٣٧٣، وفيه. " فلما أخبر بذلك داود، أنشأ يقول... "، والشطر الأول من البيت الثاني: " صبرت على أذيته ولكن ".
(٣) تاريخ بغداد: ٨ / ٣٧٤.
(٤) عبر المؤلف: ١ / ٤٥٠ - ٤٥١، والكرابيسي: نسبة إلى الثياب الغلاظ.
(اللباب).
(٥) الجهمية: نسبة إلى جهم بن صفوان، يكنى أبا محرز، وقد نشأ في سمرقند بخراسان ثم قضى فترة من حياته الأولى في ترمذ وكان مولى لبني راسب من الأزد وقد أطبق السلف على ذمه بسبب تغاليه في التنزيه وإنكار صفات الله، وتأويلها المفضي إلى تعطيلها. وأول من حفظ عنه مقالة التعطيل في الاسلام هو الجعد بن درهم وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها فنسبت إليه، قد قتل سنة (١٢٨ ه‍)، مع الحارث بن سريج في حربه ضد بني أمية. (انظر:
الطبري: ٧ / ٢١٠، ٢٢١، ٢٣٦، ٢٣٧، وتاريخ الجهمية والمعتزلة: ١٠، وما بعدها، للقاسمي).
والسلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات وقال: إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة جهميا. والإمام أحمد يرى فيما يحكيه ابن جرير عنه - ان من قال: لفظي بالقرآن مخلوق. فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع.
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»