والنفس مكانها في غد جدث " (1)، ولم تكن الزهراء أقل من علي تقى وزهدا في الدنيا.
ثم إن عليا (عليه السلام) كان بإمكانه أن يعوض الزهراء عن ما غصب منها بما يملكه من الأموال، ويمنعها من الهوان، فإن مما يملك إرثي البغيبغة وأبي نيزر، وهما أكثر قيمة من فدك، وقد جعلهما (عليه السلام) قبل وفاته وقفا على الفقراء، وكان واردهما السنوي 470 ألف درهم.
وأيضا هذا هو السبب في حمل علي الزهراء على بغلة، والمرور بها على دور المهاجرين والأنصار، ومطالبتهم بنصرتها مع علمها بخذلانهم، كل ذلك لاطلاع الناس أبد الدهر على حقيقة الأمر، وإظهار حال الغاصبين وحال أصحابهم....
قال ابن أبي الحديد: قلت لمتكلم من متكلمي الإمامية يعرف بعلي ابن تقي من بلدة النيل: وهل كان فدك إلا نخلا يسيرا وعقارا ليس بذلك الخطير؟ فقال لي: ليس الأمر كذلك، بل كانت جليلة جدا، وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن. (أي في القرن السادس الهجري)، وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلا ألا يتقوى بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة، ولهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة وعلي وسائر بني هاشم وبني المطلب حقهم في الخمس، فإن الفقير الذي لا مال له تضعف همته، ويتصاغر عند نفسه، ويكون مشغولا بالاحتراف والاكتساب عن طلب الملك والرئاسة (2).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) للمفضل بن عمر: " لما بويع أبو بكر أشار عليه عمر أن يمنع عليا وأهل بيته الخمس والفئ وفدكا، فإن شيعته إذا عملوا ذلك تركوه وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا، فصرفهم أبو بكر عن جميع ما هو لهم ".
وثمة سبب أخر وهو إرادة التظاهر بالقوة أمام أهل البيت، وسد الطريق أمامهم، وقطع أي أمل في نفوسهم للوصول إلى غايتهم (3).
قال العلامة المجلسي (رحمه الله): إن طلب الحق والمبالغة فيه وإن لم يكن منافيا للعصمة لكن زهدها صلوات الله عليها وتركها للدنيا، وعدم اعتدادها بنعيمها ولذتها، وكمال عرفانا