أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) على مسمع ومرأى من المسلمين وبضمنهم الحكومة الجديدة، فكان من بعض أقوالها: " أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ " وقولها : " وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض ". حيث أوضحت أن عليا (عليه السلام) أعلم الناس بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمعرفة الرسالة وأحكامها وقوانينها، وهو لذلك أحق برعاية شؤون الأمة التي صنعها الوحي المقدس.
3 - كشف ألاعيب الحكومة الجديدة على الشرع المقدس، واجتهاداتهم التي لا علاقة لها بأهداف الرسالة... وهذه النقاط الثلاث هي التي استهدفتها فاطمة (عليها السلام) في مطالبتها الحثيثة بفدك، ليس غير، وليس لها وراء ذلك هدف مادي رخيص، كما يعتقد البعض من مؤرخي حياتها، فهي - لعمر الحق - قد تصرفت ما من شأنه أن يحفظ الرسالة من شبح الانحراف الذي تنبأت بوقوعه بعد انتخاب الحكومة الجديدة، فاتخذت من فدك خير فرصة لخدمة المبدأ، وإلقاء الحجة على الأمة تأدية للمسؤولية، ونصرا للرسالة، وحفظا لبيضة الإسلام (1).
قال المحقق المتتبع السيد كاظم القزويني: من الممكن أن يقال: إن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) الزاهدة عن الدنيا وزخارفها، والتي كانت بمعزل عن الدنيا ومغريات الحياة، ما الذي دعاها إلى هذه النهضة وإلى هذا السعي المتواصل، والجهود المستمرة في طلب حقوقها؟ وما سبب هذا الإصرار والمتابعة بطلب فدك والاهتمام بتلك الأراضي والنخيل، مع ما كانت تتمتع به السيدة فاطمة من علو النفس وسمو المقام؟
وما الداعي إلى طلب الدنيا التي كانت أزهد عندهم من عفطة عنز، وأحقر من عظم خنزير في فم مجذوم، وأهون من جناح بعوضة؟ وما الدافع بسيدة نساء العالمين أن تتكلف هذا التكليف وتتجشم هذه الصعوبات المجهدة للمطالبة بأراضيها، وهي تعلم أن مساعيها تبوء بالفشل، وأنها لا تستطيع التغلب على الموقف، ولا تتمكن من انتزاع تلك الأراضي من المغتصبين؟ هذه تصورات يمكن أن تتبادر إلى الأذهان حول الموضوع.