وقد أخبر بذلك النبي الأعظم كما ورد في الصحاح والمسانيد من طرق الفريقين العامة والخاصة. والمحدث من تكلمه الملائكة بلا نبوة ولا رؤية صورة، أو يلهم له ويلقى في روعه شئ من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى، أو ينكت له في قلبه من حقايق تخفى على غيره، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه.
فوجود من هذا شأنه من رجالات هذه الأمة مطبق عليه بين فرق الإسلام، بيد أن الخلاف في تشخيصه. فالشيعة ترى عليا أمير المؤمنين وأولاده الأئمة صلوات الله عليهم من المحدثين... " (1).
وقال (رحمه الله): " إن في هذه الأمة أناس محدثون كما كان في الأمم الماضية، وأمير المؤمنين وأولاده الأئمة الطاهرون علماء محدثون وليسوا بأنبياء. وهذا الوصف ليس من خاصة منصبهم ولا ينحصر بهم بل كانت الصديقة كريمة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) محدثة، وسلمان الفارسي محدثا. نعم كل الأئمة من العترة الطاهرة محدثون، وليس كل محدث بإمام.
ومعنى المحدث هو العالم بالأشياء بإحدى الطرق الثلاث المفصلة في الأحاديث. هذا ما عند الشيعة ليس إلا " (2).
وورد عن العلامة المناوي في ذيل الحديث الذي جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حول مسألة تحديث الملائكة مع الناس ما نصه: " قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم أناس محدثون ". قال القرطبي: الرواية بفتح الدال، اسم مفعول جمع محدث بالفتح أي ملهم، أو صادق الظن، وهو من ألقي في نفسه شئ على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى، أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد، أو تكلمه الملائكة بلا نبوة، أو من إذا رأى رأيا أو ظن ظنا أصاب، كأنه حدث به والقي في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له. وهذه كرامة بكرم الله بها من شاء من صالح عباده، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء (3).
إذن يظهر من الأحاديث والأقوال المأثورة عن الخاصة والعامة أن مسألة تحديث