له: يا أخي أنه لا يسعك أن تكتمني حالك.
فقال: يا أبا الحسن! أما إذا أبيت فوالذي أكرم محمدا بالنبوة، وأكرمك بالوصية، ما أزعجني من رحلي، إلا الجهد، وقد تركت عيالي يتضوعون جوعا، فلما سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض، فخرجت مهموما راكبا رأسي، هذه حالي وقصتي، فانهملت عينا، علي (عليه السلام) بالبكاء حتى بلت دمعته لحيته، فقال له: أحلف بالذي حلفت، ما أزعجني إلا الذي أزعجك من رحلك، فقد استقرضت دينارا، فقد آثرتك على نفسي، فدفع الدينار إليه، ورجع حتى دخل مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فصلى فيه يوم الظهر والعصر والمغرب. فلما قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المغرب مر بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو في الصف الأول، فغمزه برجله، فقام علي (عليه السلام) متعقبا خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى لحقه على باب من أبواب المسجد، فسلم عليه فرد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه السلام. فقال:
يا أبا الحسن! هل عندك شئ نتعشاه فنميل معك؟ فمكث مطرقا لا يحير جوابا، حياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يعلم ما كان من أمر الدينار ومن أين أخذه، وأين وجهه، وقد كان أوحى الله تعالى إلى نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتعشى الليلة عند علي ابن أبي طالب (عليه السلام). فلما نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى سكوته، فقال: يا أبا الحسن! ما لك لا تقول:
لا، فانصرف، أو تقول: نعم، فأمضي معك؟ فقال - حياء وتكرما -: فاذهب بنا؟
فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يد علي بن أبي طالب (عليه السلام) فانطلقا حتى دخلا على فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي في مصلاها قد قضت صلاتها، وخلفها جفنة تفور دخانا، فلما سمعت كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رحلها، خرجت من مصلاها، فسلمت عليه، وكانت أعز الناس إليه، فرد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومسح على رأسها، وقال لها: يا بنتاه! كيف أمسيت رحمك الله.
قالت: بخير، قال عشينا غفر الله لك، وقد فعل. فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي النبي وعلي بن أبي طالب عليهما الصلاة والسلام.
فلما نظر علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الجفنة والطعام وشم ريحه، رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا (1) قالت: له فاطمة سبحان الله، ما أشح نظرك وأشده! هل أذنبت فيما بيني