والحياة والإنسان، وإذا كان التسبيح معناه التنزيه ومعناه معرفة الله، فمن - يا ترى - ينزه الله، ويعرف الله أكثر من الشهداء؟ إن الشهيد يشكل قمة حضارية عالية في معرفة الحق سبحانه وتعالى، ولذلك صنعت فاطمة حبات المسبحة من تراب أقدس شهيد هوى إلى الأرض بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويكفي أن الزهراء حين تصلي وتسبح الله في صلاتها، تتمثل صورة الشهادة في أنصع أشكالها، وأروع معانيها أمام عينيها وكفى بذلك فخرا وتربية وارتفاعا في سماء المجد، وآفاق السماحة والشجاعة، والفصاحة والمحبة في قلوب المؤمنين، من هنا جاءت فكرة السجود على تراب كربلاء، لأن تراب كربلاء تضمن جسد الحسين (عليه السلام)... ومن هو الحسين؟ الحسين بن رسول الله... الحسين ابن فاطمة.. الحسين الذي قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا " علما بأن الرسول قال: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ".
فالسجود على الأرض وترابها سنة شريفة متبعة في سيرة النبي الأكرم.. ونحن عندما نسجد على قطعة من تراب كربلاء ونحتفظ بها في جيوبنا فإن ذلك يرمز إلى شيئين:
الأول: إننا نطبق سنة شريفة جارية، وهي السجود على الأرض وفقا لتعاليم الحبيب المصطفى.
والثاني: إننا نتذكر الحسين دائما الذي كان أقرب الناس إلى قلب جده رسول الله، والذي كان يوم عاشوراء يلبس جبة النبي، وعمامته.. والقرآن الكريم يقول:
* (ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا) * (1). وقد أتانا النبي بالحسين وأهل بيته، فقال: " حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا ". فكما أن الزهراء، تريد أن تجعل أهداف الشهداء نصب عينيها حين تصنع سبحة لها من تراب قبر الشهيد، كذلك نحن نريد أن نتذكر أهداف الإمام الحسين - عليه السلام - حين نصلي على قطعة من تراب أرض كربلاء المقدسة. إذن ففاطمة الزهراء بذهابها إلى قبر الحمزة، أعطت شعيرة للتسبيح هذه دفقا معنويا، وحياة، وعطاء تربويا، لا حدود له، هذا بالإضافة إلى أنها علمتنا كيف نتعامل مع شعائر الله، وكيف نحول الشعار إلى