العظيم، إن الواعظ المخلص هو الذي يقف في وجه القوي الظالم يردعه عن ظلم الضعيف، ويجابهه بالحقيقة، بسوء عمله، ويشهر به بين الناس، ويدعو الجماهير على المنابر وفي المحافل لمكافحته وردعه عن الباطل، ويدلهم على من اغتصب حريتهم، واعتدى على كرامتهم ويدفعهم إلى الاستماتة دون حقهم، على الواعظ أن يفهم المظلوم أن واجبه الأول أن يناضل من ظلمه ويحاربه بكل سبيل، يفهمه أن نومه على الضيم يجعله ظالما بعد أن كان مظلوما، لأنه بالخنوع والخضوع يشجع الظالم على التمادي في الغي والفساد ونقدم أمثلة من الوعاظ المخلصين السابقين الذين تجردوا عن كل غاية إلا النصح والاخلاص لله والانسانية عسى أن ينتفع بها وعاظ اليوم:
مر أبو ذر الصحابي الجليل بمعاوية، وهو يبني داره الخضراء، فصاح أبو ذر في وجهه قائلا: من أين لك هذا يا معاوية! فإن كنت بنيتها من مال المسلمين فهي الخيانة، وإن كنت بنيتها من مالك فهو الإسراف.
ولما بني الخليفة الناصر قصر الزهراء بالأندلس بالغ القاضي منذر بن سعيد في تقريعه وترويعه بخطبة على المنبر أمام الجماهير، والخليفة بينهم. ابتدأ القاضي خطبته بقوله تعالى: " أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين ".
ثم أفضى الخطيب إلى ذكر التبذير والإسراف في أموال الأمة، وتلا قوله سبحانه " أفمن أسس بنيانه على تقوى الله ورضوانه خير، أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، والله لا يهدي القوم الظالمين ".
وحج المنصور أيام خلافته، فسمع وهو يطوف في البيت، مناديا يرفع صوته، ويقول: اللهم إنا نشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض، فطلبه المنصور، وقال له: من تعني. قال: إياك عنيت، فقد حال طمعك بين الناس وحقهم، استرعاك الله أمور المسلمين، فجعلت بينك وبينهم حجابا وحصونا، واتخذت وزراء ظلمة، وأعوانا فجرة، إن أحسنت لا يعينوك، وإن أسأت لا يردعوك، وقويتهم على ظلم الناس، ولم تأمرهم بإغاثة المظلوم والجائع.
وذات يوم وزع رسول الله بعض الفئ على الناس، وأخذ أعرابي نصيبه فاستقله، وبسط يده، وجذب الرسول من ثوبه جذبا شديدا، وقال: يا محمد