التي استعمل لأجلها الأساليب، واتخذ من غايته مبررا للكذب والخيانة والغش والخديعة، ولا وزن للقيم الروحية عنده، إذ الفضيلة في نظره لا تقاس بمقياس النبل والمروءة، وضميره لا يؤنبه على ما يتنافى وشيئا من ذلك، وإنما يؤاخذه على أنه لم يكن يحسن سبل الاحتيال التي تحقق أنانيته، فمن العبث، والحالة هذه، أن ترغبه في ترك الجريمة مناشدا ومبينا أن عمله يأباه الدين القويم والخلق الكريم.
لقد كثر المصابون بهذا النقص كثرة عمت جميع الفئات، فإنك تجدهم بين الموظفين والأطباء ورجال الدين والمحامين وفي الشوارع والأسواق، وفي المدارس والمزارع، وفي كل مكان، ولا شئ أدل على هذا الوباء وانتشاره من كثرة التذمر وتراكم الاستياء، فالموظف يشكو من عدم إنصافه في حين أنه يكسل في عمله حتى يفرط، ويفرط حتى يضيع، والشاب المتعلم يشكو من عدم تقدير الناس لحامل الشهادات " والعبقرية الفذة " ولكنه لا يتورع عن ظلم زميله، فينتقصه إذا غاب، ويشمت به إذا فشل، ورجل الدين يشكو من فساد الأخلاق ولكنه في نفس الوقت يحب أن يحمد بما لم يفعل، وقل مثل ذلك في المحامي والطبيب وما إليهما.
إن تفشي الرذيلة بهذا النحو يحدث خطرا كبيرا على المجتمع، ويسبب مشاكل اجتماعية عديدة، وإذا عولج الفقر بزيادة الانتاج، والمرض والجهل في المؤسسات العلمية والصحية، فإن الخلق السئ لا يعالج بغير الشعور بأن وراء هذه الطبيعة قوة خفية تراقب، وتحاسب، وتثيب، وتعاقب، شريطة أن ينعكس هذا الشعور في الأقوال والأفعال، وتكون هي أثرا من آثاره.
بهذا الإيمان، الإيمان بالله وحده، وبهذا الشعور، الشعور بالخوف والرجاء تهذب الأخلاق فتموت الرذيلة، وتحيا الفضيلة، تسود المحبة التي تثمر الثقة المتبادلة، والتعاون المنتج.
يقول بعض الفلاسفة: إن من يفعل حسنا أو يترك قبيحا بدافع الخوف والرجاء من الله سبحانه أو الدولة مثله مثل المجرم، وأحسب أن في هذا القول شيئا من التسامح، فإن الدوافع والبواعث مهما كان نوعها لا تغير من حقيقة ما هو حسن بالذات أو قبيح بالذات، والذين ينزعون إلى الخير بذاتهم، ويفعلونه من تلقاء