وأعطاه مالا كثيرا، ثم غدر به.
إدريس:
وأما إدريس بن عبد الله بن الحسن فإنه فر من وقعة فخ إلى مصر، وكان على بريدها يومئذ رجل يتشيع لآل البيت، اسمه واضح، فعلم بإدريس، فأتاه إلى الموضع الذي كان مستخفيا فيه، وعرض عليه خدماته، ولم ير شيئا أخلص له من أن يحمله على البريد إلى المغرب، ففعل، ولحق إدريس بالمغرب الأقصى (1) فنزل بمدينة تدعى " وليلة "، وكان فيها عامل للعباسيين اسمه إسحاق بن محمد ابن عبد الحميد، فأجار إدريس وأكرمه وخلع طاعة العباسيين، وانتهى الخبر إلى الرشيد بما فعله واضح في شأن إدريس، فقتله وصلبه.
واجتمعت عليه القبائل من كل وجه ومكان، وكان أول من بايعه قبيلة أوربة، وهي يومئذ من أعظم قبائل البربر بالمغرب الأقصى، وأكثرها عددا، ثم تلتها سائر القبائل، فبايعوه ودخلوا في طاعته، وعظموه وقدموه على أنفسهم، فاستتب أمره، وتمكن سلطانه.
الغزو:
ولما تم له الأمر اتخذ جيشا كثيفا من وجوه البربر الأشداء، وخرج غازيا بلاد تامسنا، وبلاد تادلا، ففتح المعاقل والحصون، وكان أكثر أهل هذه البلاد على دين اليهودية والنصرانية، فأسلم جميعهم على يده.
ثم رجع إلى عاصمته " وليلة " واستراح برهة، ثم استأنف الغزو على من بقي من قبائل البربر على غير دين الإسلام، وكانوا متحصنين في المعاقل والجبال المنيعة، فلم يزل يجاهدهم، ويستنزلهم من معاقلهم، حتى دخلوا في الإسلام.
وقفل راجعا إلى مقره ريثما استراح جيشه، ثم كر غازيا على تلمسان، فخرج إليه صاحبها مستأمنا ومبايعا، فأمنه إدريس، وقبل بيعته، ودخل المدينة، وبنى فيها مسجدا متقنا، وأمر بعمل منبر نصبه فيه، وكتب عليه: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أمر به الإمام إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي