أما الولاية في الآية المتقدمة فيتعين حملها على الطاعة وتدبير الشؤون بدليل أنك إذا قلت: فلان ولي هذه المرأة يفهم من قولك هذا أنه يملك العقد عليها، وإذا قلت: هؤلاء أولياء المقتول فمعناه أنهم الذين يحق لهم المطالبة بدمه، وكذلك إذا قلت: هذا ولي الرعية، وولي عهد المسلمين يفهم أنه يدير أمورهم، ويدبر شؤونهم، وحمل اللفظ على غير هذا المعنى الظاهر يحتاج إلى دليل، وهو منفي في الآية الكريمة، فيتعين تفسير الولاية بالمعنى الظاهر، وهو الحكم والسلطان.
أما حديث الغدير فإن النبي (ص) قبل أن يقول: من كنت مولاه إلخ...
استخرج من أمته الإقرار بفرض الطاعة له، وذلك حيث قال أولا: ألست أولى بكم من أنفسكم، وهذا القول وإن كان مخرجه الاستفهام فإن المراد به التقرير، تماما كقوله تعالى: " ألست بربكم " فلما أجابوه بالاعتراف رفع بيد أمير المؤمنين، وقال عطفا على ما تقدم: " فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ".
فوجب، والحال هذه، أن يريد المعنى المتقدم الذي قررهم به، كما يقتضيه سوق الكلام، واستعمال أهل اللغة وعرفهم في خطاباتهم وأساليبهم، وإذا ثبت أنه أراد ما ذكرناه من كون أمير المؤمنين أولى بالإمامة من أنفسهم، فقد وجبت له الإمامة من فرض طاعته عليهم، ونفوذ أمره ونهيه فيهم.