فقالوا لله: ما لنا رأي إلا ما رأيت، وأنت عندنا عوض عن إدريس، حتى تلد الجارية حملها، ويكون ما أشرت، على أنها إن وضعت جارية كنت أحق الناس بهذا الأمر، لفضلك وعلمك ودينك.
وولدت الجارية ذكرا، فسماه راشد إدريس، وقام بأمره أحسن قيام، فأقرأه القرآن، حتى حفظه، وهو ابن ثماني سنوات، ثم علمه الحديث والسنة والفقه والعربية، ورواه الشعر وأمثال العرب، وعرفه أيام الناس والملوك، ودربه على ركوب الخيل والرمي بالسهام، ولم يمض له من العمر 11 سنة إلا وقد اضطلع بما حمل، وترشح للأمر، وبايعه البربر عن طاعة منهم وإخلاص.
ولما استقام أمر المغرب لإدريس الثاني وفدت عليه الوفود الوفود من سائر البلدان، وتسامع به العرب، فأقبلوا إلى حضرته من إفريقيا والأندلس ملتفين حوله، حتى اجتمع لديه منهم 500 فارس من قيس والأزد ومذحج وغيرهم، فأكرم وفادتهم، وأجزل صلتهم، وأدنى منزلتهم، وأسند إليهم الكثير من مناصب الدولة.
مدينة فاس:
لما كثرت الوفود على إدريس الثاني من العرب وغيرهم، وضاقت بهم مدينة " وليلة " بنى مدينة فاس، وأنشأ فيها المدارس والجوامع والأسواق، وأمر الناس بالبناء، وقال: من بنى موضعا أو غرسه فهو له، فبنى الناس كثيرا، وغرسوا كثيرا، ووفد عليه جماعة من الفرس، فأكرمهم وأنزلهم بغيضة هناك بنوا فيها واستوطنوا.
ولما فرغ من بناء المدينة ذهب في الجمعة الأولى إلى الجامع، وصعد المنبر يخطب الناس، ورفع يديه في آخر الخطبة، وقال:
" اللهم إنك تعلم أني ما أردت ببناء هذه المدينة مباهاة ولا مفاخرة، ولا رياء، ولا سمعة، ولا مكابرة، وإنما أردت أن تعبد بها، ويتلى بها كتابك، وتقام بها حدودك، وشرائع دينك، وسنة نبيك ما بقيت الدنيا. اللهم وفق سكانها للخير، وأعنهم عليه، واكفهم مؤونة أعدائهم، وأدرر عليهم الأرزاق، واغمد عنهم سيف الفتنة والشقاق. إنك على كل شئ قدير ".