الفعل، وإليه يشير صاحب التجريد بقوله: والواسطة - أي: في إيجاد العالم الجسماني - غير معقولة (1) فإن العقل الصريح يحكم بأن ليس في منية الممكن إيجاد الجواهر والأعراض المفارقة لذات الموجود، وهذا لا ينافي دعواهم الضرورة في استناد أفعالنا إلينا، فتدبر.
وأما توحيد الصفات، فهو أن يرى الموحد كل قدرة مستغرقة في قدرته الكاملة، وكل علم مضمحلا في جنب علمه الشامل... وهكذا، وبالجملة: أن يرى كل كمال لمعة من عكس كماله تعالى، وهذه المرتبة أعلى من الأولى ومستلزمة لها. وثالث المراتب مرتبة توحيد الذات، وهناك تنمحل الإشارة وتنطمس العبارة.
ثم لما كان مبدأ الكمالات وجوب الوجود كما أن منشأ النقائص إمكان الوجود فالمعبود بالحق هو الذي يثبت له وجوب الوجود وانتفى عنه الإمكان، فمعنى " لا إله إلا الله ": لا واجب الوجود إلا الله، فإنه واجب الوجود، فحينئذ يصح تقدير الممكن والموجود في خبر " لا "، أما الأول: فلأن مفهومه أن الله يمكن أن يكون واجب الوجود، فيندفع فساده وهو أن اللازم إمكان وجوده تعالى لا ثبوت وجوده، فلا يتم التوحيد بأن ما يمكن أن يكون واجب الوجود فهو واجب الوجود، إذ لو لم يكن هو يكون: إما ممتنع الوجود أو ممكنه، وعلى التقديرين لا يكون واجب الوجود وإلا لزم جواز الانقلاب. وأما الثاني: فلأن فساده وهو أن اللازم نفي وجود الشريك لا نفي إمكانه مندفع بأن نفي وجوب الوجود عما سواه يستلزم نفي إمكان وجوب الوجود عنه أيضا، وإلا لثبت له نقيضه وهو إمكان وجوب الوجود، فيثبت له وجوب الوجود.
واعلم أن أصل هذا التشكيك من إمام المشككين، وأجاب عنه الحنفية بناء على قاعدتهم في الاستثناء بأن دلالة كلمة الشهادة على وجوده تعالى بحسب العرف وطريق الإشارة، لأنه لما ذكر الإله ثم استثنى الله منه ثم حكم على الباقي بالنفي كان ذلك إشارة إلى أن الحكم في الاستثناء خلاف حكم الصدر، وإلا لما