فاستوى المقدم والتالي، ونالوا مرتبة مجد هلك دونها المقصر والغالي، وحين اقتسمت شمل مراتب السيادة كان لغيرهم السافل ولهم العالي، كم اجتهد الأعداء في خفض منارهم والله يرفعه، وكم ركبوا الصعب والذلول في تشتيت شمل عزهم والله يجمعه، وكم ضيعوا من حقوقهم ما لا يهمله الله ولا يضيعه.
ومع كثرة عداتهم، وتظاهر الناس عليهم، وغلبة شناءتهم، ومدهم أيدي القهر إليهم، لم يزدادوا على الاختبار إلا صبرا واحتسابا، وعلى القتل والتشريد إلا إغراقا في الحمد وإطنابا، وتحصيلا للأجر واكتسابا، واعتزاء إلى أعلى منازل الطاعة وانتسابا، حتى خلصوا خلوص الذهب من النار، وسلموا في أعراضهم وأديانهم من ألعاب والعار، فالولي والعدو يشهدان لهم بعلو المنصب وسمو المقدار:
قال فيه البليغ ما قال ذو ال * - عي فكل بفضله منطيق وكذلك العدو لم يعد أن * قال جميلا كما يقول الصديق وهذا الإمام الرضا هو لله سبحانه رضى، وقد قضى من شرفه ومجده بما قضى، ونصبه دليلا لمن يأتي وعلى من مضى، فظهر من فضائله وأخباره، واشتهر من صفاته وآثاره ما كان أمضى من السيف المنتضى، وأبى أن يكون هذا النعت الرضى إلا لذلك السيد المرتضى، ولم أزل مذ كنت حدثا أهش لذكره، وأطرب لما يبلغني من خلاله وسجاياه، وسمو قدره، فرزقني الله - وله الحمد - أن أثبت شيئا من مناقبه، وشاهدت بعين الاعتبار جملة من عجائبه، وأعجبتني نفسي حين عرفت اختيارها في حالة الشباب، وسرني أن عددت من واصفي فضله وفضل آبائه وأبنائه في هذا الكتاب.
والمنة لله تعالى، فهو الذي أمد بالتوفيق، وهدى إلى الطريق، ولا منة