ويبرد، ويؤخذ مدة ثلاثة أشهر، حتى يتداخل مزاجه بعضه ببعض، وحينئذ يستعمل، ومقدار ما يشرب منه أوقية إلى أوقيتين من الماء القراح.
فإذا أكلت يا أمير المؤمنين مقدار ما وصفت لك من الطعام، فاشرب من هذا الشراب مقدار ثلاثة أقداح بعد طعامك، فإذا فعلت ذلك فقد أمنت بإذن الله تعالى يومك وليلتك من الأوجاع الباردة المزمنة كالنقرس، والرياح، وغير ذلك من أوجاع العصب والدماغ والمعدة وبعض أوجاع الكبد والطحال والمعاء والأحشاء.
فإن صدقت بعد ذلك شهوة الماء، فليشرب منه مقدار النصف مما كان يشرب قبله، فإنه أصلح لبدن أمير المؤمنين، وأكثر لجماعه، وأشد لضبطه وحفظه، فإن صلاح البدن وقوامه يكون بالطعام والشراب، وفساده يكون بهما، فإن أصلحتهما صلح البدن، وإن أفسدتهما فسد البدن.
واعلم يا أمير المؤمنين أن قوة النفوس تابعة لأمزجة الأبدان، وأن الأمزجة تابعة للهواء، وتتغير بحسب تغير الهواء في الأمكنة، فإذا برد الهواء مرة وسخن أخرى تغيرت بسببه أمزجة الأبدان، وأثر ذلك التغير في الصور، فإذا كان الهواء معتدلا اعتدلت أمزجة الأبدان، وصلحت تصرفات الأمزجة في الحركات الطبيعية، كالهضم والجماع والنوم والحركة وسائر الحركات.
لأن الله تعالى بنى الأجسام على أربع طبائع، وهي: المرتان والدم والبلغم، وبالجملة حاران وباردان، قد خولف بينهما، فجعل الحارين لينا ويابسا، وكذلك الباردين رطبا ويابسا، ثم فرق ذلك على أربعة أجزاء من الجسد: على الرأس، والصدر، والشراسيف، وأسفل البطن.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الرأس والأذنين والعينين والمنخرين والفم والأنف