فكان برما تساوره الهموم والأحزان، وجعل يتأمل في الكواكب وهي مرتعشة الضوء كأنها ترسل أشعة حزنها إلى الأرض، وطفق يقول:
" ما كذبت ولا كذبت انها الليلة التي وعدت فيها ".
وأنفق الامام ليله ساهرا، وقد راودته ذكريات جهاده وعظيم عنائه في الاسلام، وزاد وجيبه وشوقه لملاقاة ابن عمه رسول الله (ص) ليشكو إليه ما عاناه من أمته من الأود.
وتوجه الامام بمشاعره وعواطفه إلى الله يطلب منه الفوز والرضوان وقبل أن تشرق أنوار ذلك الفجر الذي دام في ظلامه على البؤساء والمحرومين انطلق الامام فاسبغ الوضوء، وتهيأ إلى الخروج من البيت، فصاحت في وجهه وز كأنها صاحب ملتاعة حزينة تنذر بالخطر العظيم الذي سيدهم أرض العرب والمسلمين، وتنبأ الامام من لوعتهن بنزول القضاء، فقال:
" لا حول ولا قوة إلا بالله صوائح تتبعها نوائح " (1).
وخرج الامام إلى بيت الله فجعل يوقظ الناس على عادته إلى عبادة الله ثم شرع في صلاته وبينما هو ماثل بين يدي الله وذكره على شفيته إذ هوى عليه المجرم الخبيث عبد الرحمن بن ملجم، وهو يهتف بشعار الخوارج " الحكم لله لا لك " فعلا رأس الامام بالسيف فقد جبهته الشريفة التي طالما عفرها بالسجود لله، وانتهت الضربة الغادرة إلى. دماغه المقدس الذي ما فكر فيه إلا في سعادة الناس، وجمعهم على صعيد الحق.
ولما أحس الامام بلذع السيف انفرجت شفتاه عن ابتسامة، وانطلق صوته يدوي في رحاب الجامع قائلا:
" فزت ورب الكعبة ".
لقد كنت - يا أمير المؤمنين - أول الفائزين، وأعظم الرابحين