كثيرا عقب فتوح البلاد. فيتجاوز الفاتحون عن بعض أمور في مصلحة البلاد المحكومة، لكي يستقر بذلك ملكهم على أهون سبيل.
يدلك على ذلك قول عمر لعمرو (واعلم أن ما قبلك من أرض مصر ليس فيها خمس، وإنما هي أرض صلح، وما فيها للمسلمين فئ).
أما كون أبي مسلمة بن عبد الرحمن قد تسخر رجلا من القبط يجدف له، وأنه اعتبر القبط كالعبيد، فإن هذه الحادثة الفردية لا تدل بأي حال على أن مصر فتحت عنوة.
ولا يمكننا أن نسلم بذلك من أجل حادثة كهذه، إذ قد يكون هذا القبطي قد تطوع للقيام بما طلب منه عن طيب خاطر، وأن عمل هذا الرجل لا يصلح أن يكون حجة على أمة يأسرها، ولا ناقضا لأقوال الآخرين الذين ذكروا أن أهل مصر إنما هم أهل صلح.
أما قول يحيى بن خالد أن مصر فتح بعضها صلحا وبعضها عنوة، وأن عمر جعلها كلها ذمة، فهو القول الذي نميل إليه، ونرغب في ترجيحه، وهذا ما يمكن أن نستنبطه بعد بحث وتمحيص أقوال المؤرخين المتباينة. وما دام عمر رضي الله عنه قد أمر أن تعامل البلاد جميعها معاملة الصلح فيدفع أهلها الجزية والخراج، لا أن تكون ملكا للفاتحين يتصرفون فيها كيف شاءوا، فيستولون على أرضيها وأموالها ويسبون نساءها، فإننا نرجح أن مصر فتحت عنوة، ولكن عمر عاملها معاملة البلاد التي فتحت صلحا ليتألف بذلك قلوب المصريين.