سنة 22 للهجرة (يونيه سنة 643 م) على ذكره البلاذري (ص 223) والكندي (ص 10) وبطلر (ص 438)، وكانت حصونها أقوى من حصون برقة، وحاميتها أكثير عددا فامتنعت العرب شهرا كاملا (1).
ولما أنهك أهلها الجوع وشدة القتال تمكن العرب من الاستيلاء على المدينة من جهة البحر، لأنه لم يكن لها سور من جهته، فغزوا أهل المدينة وجندها بحرا ودخلها عمرو بجنده، ومن ثم عاد إلى برقة حيث أذعنت لطاعته قبيلة لواته التي كانت تسكن معظم هذه البلاد.
وكتب عمرو إلى أمير المؤمنين: إنا بلغنا أطرابلس وبينها وبين إفريقية (تونس) تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لنا في غزوها فعل... فكتب إليه عمر ينهاه عنها، ويأمره بالوقوف عند هذا الحد، فعاد مكرها بعد أن استخلف على البلاد عقبة بن نافع الفهري الذي صار إليه بعد ذلك فتح المغرب (1) أه.
وحسنا فعل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، لأنه كان أحرص ما يكون على جند المسلمين، وأمره عمرا بالوقوف عند هذا الحد يدل على حسن سياسته وبعد نظره، لأن تغلغل عمرو في جوف تلك الأراضي الواسعة والأقطار الشاسعة بجيشه القليل وعدته الضعيفة قد يستنفد قوته من غير أن يفوز بطائل، سيما والروم لم يزالوا من القوة بحيث يتمكنون من استرداد مصر والقضاء على حاميتها القليلة في حين انشغال عمرو بغزو هذه البلاد.
فكان من رأى عمر أن يحتفظ بما في يديه وأن لا يطوح بجنده في مهاوي التهلكة وفي معا مع حروب لا يعلم نتيجتها إلا الله.