يناسبه قوله: (إن هذا لهو الفضل المبين) فيرد عليه انه إنما يستقيم إذا كانت الإشارة إلى أول الكلام فقط وهو وراثة المال وبعده ظاهر، ولو كانت الإشارة إلى مجموع الكلام كما هو الظاهر، أو إلى أقرب الفقرات أعني قوله تعالى: (وأوتينا من كل شئ) لم يبق لهذا الكلام مجال.
وكيف لا تليق الإشارة إلى دخول المال في جملة المشار إليه وقد من الله على عباده في غير موضع من كلامه المجيد بما أعطاهم في الدنيا من صنوف الأموال، وأوجب على عباده الشكر عليه، فلا دلالة فيه على عدم إرادة وراثة المال، سواء كان من كلام سليمان أو كلام الملك المنان.
وقد ظهر بذلك بطلان قوله أخيرا أن ما ذكره الله تعالى من جنود سليمان لا يليق إلا بما ذكرنا، بل الأظهر أن حشر الجنود من الجن والإنس والطير قرينة على عدم إرادة الملك والعلم من قوله: (ورث سليمان داود) فإن تلك الجنود لم تكن لداود حتى يرثها سليمان بل كانت عطية مبتدئة من الله تعالى لسليمان (عليه السلام).
وقد أجرى الله تعالى على لسانه أخيرا الاعتراف بأن ما ذكره لا يبطل قول من حمل الآية على وراثة الملك والمال معا، فإنه يكفينا في إثبات المدعى إذ الكلام في أمر الحديث واضح مما ذكر ويذكر.
ومنها قوله تعالى فيما اقتص من خبر يحيى وزكريا مخبرا عن زكريا (عليه السلام): ﴿وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا﴾ (١) فقوله تعالى (وليا) أي ولدا يكون أولى بميراثي، وليس المراد بالولي من يقوم مقامه ولدا كان أو غيره لقوله تعالى حكاية عنه في موضع آخر من كتابه: ﴿رب هب لي من لدنك ذرية طيبة﴾ (2) وقوله: (رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا