ولا يخفى لذي عينين أن ما ألحقوه في آخر الخبر إن كان له أصل وفصل، فهو تعريض للعمرين، وإلا فلا يوافق شيئا من الروايات، ولا يلائم ما يأتي من الفقرات والتظلمات والشكايات.
وسنفصل المقال في ذلك المجال حتى يتبين جلية الحال، بعد أن نوضح تلك الخطبة الغراء الساطعة عن سيدة النساء التي تحير من العجب منها والإعجاب بها أحلام الفصحاء والبلغاء، ونبني الشرح على رواية الإحتجاج، ونشير أحيانا إلى بعض مواضع الاختلاف الواقع في الروايات الاخر.
[دفع إشكالين] ولابد أولا قبل الشروع في شرح الخطبة من التنبيه على أمرين، والإشارة إلى دفع إشكالين، أحدهما: ان فاطمة (عليها السلام) قد كانت سيدة النساء، وبنت خير الأنبياء، وزوجة سيد الأوصياء، وهي المخدرة العظمى، ومحل العصمة الكبرى، فكيف يصح لشأنها في شرع أبيها أن تخرج من خدرها، وتدخل المسجد الغاص بالمهاجرين والأنصار، والأخيار والأشرار وهم أجانبة عنها، تسمعهم صوتها، وتتكلم معهم ويتكلمون معها؟ وكيف رضى أمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك منها، مع أنه كان يمكنه أن يطالب حقها الذي كانت تطلبه بالوكالة عنها حتى لا يسمع الأجانبة كلامها؟!
الثاني: إنها كانت من أهل بيت العصمة والطهارة، الذين اختاروا الزهادة في الدنيا بحسن اختيارهم، وكانت الدنيا أزهد عندهم من عفطة عنز، أو قلامة حافر، أو لحم خنزير في يد مجذوم كافر، ولم تكن الدنيا تزن عندهم جناح بعوضة، بل تركوا اختيارا لا اضطرارا جميع اللذائذ الدنيوية لأجل الحظوظ الأخروية، ولم يذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا.
وقد جاء جبرئيل بمفاتيح جميع خزائن الأرض إليهم فلم يقبلوها، وأعرضوا بالكلية عن الدنيا وما فيها، مع أنهم لو شاؤوا أن يبدل الله جميع ما في الأرض لهم