قلنا: لما علم زكريا من حال الموالي انهم من أهل الفساد، خاف أن ينفقوا أمواله في المعاصي أو غير الوجوه المحبوبة له، مع أن في وراثتهم ماله كان يقوى فسادهم وفجورهم، فكان خوفه خوفا من قوة الفساق، وتمكنم في سلوك الطرائق المذمومة، وانتهاك محارم الله، وليس مثل ذلك من الشح والبخل.
فإن قيل: كما جاز الخوف على المال جاز الخوف على وراثتهم العلم لئلا يفسدوا به الناس ويضلوهم، ولا ريب ان في ظهور آثار العلم فيهم كان من دواعي اتباع الناس إياهم وانقيادهم لهم.
قلنا: لا يخلو هذا العلم الذي ذكرتموه من أن يكون هو الكتب العلمية والصحف الحكمية، لأن ذلك قد يسمى علما مجازا، ويكون هو العلم الذي يملأ القلوب وتعيه الصدور، فإن كان الأول فقد رجع إلى معنى المال وصح أن الأنبياء يورثون الأموال، وكان حاصل خوف زكريا (عليه السلام) انه خاف من أن ينتفعوا ببعض أمواله نوعا خاصا من الانتفاع، فسأل ربه أن يرزقه الولد حذرا من ذلك، وإن كان الثاني فلا يخلو أيضا من أن يكون هو العلم الذي بعث النبي لنشره وأدائه إلى الخلق.
أو أن يكون علما مخصوصا لا يتعلق بشريعة، ولا يجب اطلاع الأمة عليه كعلم العواقب وما يجري في مستقبل الأوقات ونحو ذلك، والقسم الأول لا يجوز أن يخاف النبي من وصوله إلى بني عمه، وهم من جملة أمته المبعوث إليهم لأن يهديهم ويعلمهم، وكان خوفه من ذلك خوفا من غرض البعثة، والقسم الثاني لا معنى للخوف من أن يرثوه، إذ كان أمره بيده ويقدر على أن لا يلقنه إليهم، ولو صح الخوف على القسم الأول لجرى ذلك فيه أيضا فتأمل. هذا خلاصة ما ذكره المرتضى (رحمه الله) في الشافي على ما نقله في البحار (١).
ومنها قوله تعالى: ﴿وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض﴾ (2) ونحوه مما يدل