في ذلك الوقت طالب للخلافة مدعيا لاستحقاقه لها، وانه لم يكن انصراف الأعيان والأشراف عنه وميلهم إلى غيره إلا لعلمهم بأنه (عليه السلام) لا يفضل أحدا منهم على ضعفاء المسلمين، وانه يسوي بينهم في العطاء والتقريب، ولم يكن انصراف سائر الناس عنه إلا لقلة ذات يده، وكون المال والجاه مع غيره.
والأولى أن يقال في الجواب: انه لم تكن التهمة لأجل أن له حصة في التركة، بل لأنه كان يريد أن تكون تحت يده ويكون حاكما فيه يعطيه من يشاء ويمنعه ممن يشاء، ويؤيده قول أبي بكر فيما رواه في جامع الأصول من سنن أبي داود، عن أبي الطفيل قال: جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها من أبيها، فقال لها:
سمعت رسول الله يقول: إن الله إذا أطعم نبيا طعمة فهو للذي يقوم من بعده (1).
ولا ريب أن ذلك مما يتعلق به الأغراض، ويعد من جلب المنافع، ولذا لا تقبل شهادة الوكيل فيما هو وكيل فيه، والوصي فيما هو وصي فيه، وقد ذهب قوم إلى عدم جواز الحكم بالعلم مطلقا لأنه مظنة التهمة، فكيف إذا قامت القرائن عليها من عداوة ومنازعة واضعاف جانب ونحو ذلك؟!
والعجب أن بعضهم في باب النحلة منعوا بعد تسليم عصمة فاطمة (عليها السلام) جواز الحكم بمجرد الدعوى على الحاكم بصدقها، وجوزوا الحكم بأن التركة صدقة للعلم بالخبر مع معارضته للقرائن وقيام الدليل على كذبه.
الثاني: إن الخبر معارض للقرآن لدلالة الآية في شأن زكريا وداود (عليهما السلام) على الوراثة، وليست الآية عامة حتى تخصص بالخبر، فيجب طرح الخبر، لا يقال: إذا كانت الآية خاصة فينبغي تخصيص الخبر بها وحمله على زكريا وداود، لأنا نقول: الحكم بخروجها عن حكم الأنبياء مخالف لإجماع الأمة لانحصار أمر الأمة في الحكم بالإيراث مطلقا وعدمه مطلقا، فلا محيص عن الحكم بكذب الخبر وطرحه.