لأولادهم وأهل ميراثهم مثل غيرهم من الناس، فإنهم يقصدون إلى جمع الأموال وتبقيتها بعدهم لأهل ميراثهم، أما إذا بقي من الأنبياء شئ من الميراث اتفاقا فلا بأس به ولا ينافي الحديث.
الوجه الثاني: إن الأنبياء من حيث النبوة لم يورثوا إلا العلم، أما من حيث الإنسانية والبشرية فيجوز أن يخلفوا شيئا من الأموال، ومن هذا قال بعض المحققين: العلماء أولاد روحانيون للأنبياء، لأنهم يقتبسون العلم من مشكاة أنوارهم، ويرثون ملكات أرواحهم كما أن الأولاد الجسمانية والأقارب الصورية يرثون الأموال، بل النسبة الأولى آكد من الثانية، ولذلك كان حق المعلم الرباني على المتعلم أولى من حق أبيه الجسماني عليه، والحاصل انه من باب تعليق الحكم على الوصف المشعر بالعلية.
الوجه الثالث: انهم لم يخلفوا جنس الدرهم والدينار الذي يخلفه أهل التراث، اما غيرهما من الأملاك والزراعات والمنازل فلا بأس بأن يخلفوها، إنتهى (1).
ويجوز الوجه الرابع في توجيه الخبر، وهو ما نقله في البحار - وإن لم يرتضه - وهو أن يكون (ما تركناه صدقة) مفعولا ثانيا للفعل أعني (نورث) سواء كان بفتح الراء على صيغة المجهول من قولهم: ورثت أبي شيئا، أو بكسرها من قولهم: أورثه الشيء أبوه، وإما بتشديد الراء، فالظاهر أنه لحن فإن التوريث إدخال أحد في المال على الورثة - كما ذكره الجوهري (2) - وهو لا يناسب شيئا من المحامل، ويكون (صدقة) منصوبا على أن يكون مفعولا لتركنا، والاعراب لا يضبط في أكثر الأوقات والروايات.
ويجوز أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) وقف على الصدقة فتوهم أبو بكر انه بالرفع، وحينئذ يدل على أن ما جعلوه صدقة في حال حياتهم لا ينتقل بموتهم إلى الورثة، أي ما نووا فيه الصدقة من غير أن يخرجوه من