يجري في جميع الوجوه السابقة، أو ان إيمانه نور على نور أي فريضة على فريضة، وسنة على سنة، وشجرة الإخلاص مستقيمة في القلب لا تميل إلى أحد الطرفين، وهي مباركة إذ جميع الخير انما يحصل من هذه الشجرة، يكاد زيتها وهو النور الذي جعله الله في قلبه يضيء وإن لم يتكلم به.
تتميم الكلام بكلام أربعة نفر من الأعلام:
الأول: ما ذكره القاضي البيضاوي (1) بقوله: (الله نور السماوات والأرض) النور في الأصل كيفية تدركها الباصرة أولا وبوساطتها سائر المبصرات، كالكيفية الفائضة من النيرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لهما، وهو بهذا المعنى لا يصح إطلاقه على الله إلا بتقدير مضاف أو ارتكاب تجوز، أي الله تعالى منور السماوات والأرض بالكواكب وما يفيض عنها من الأنوار، أو بالملائكة والأنبياء.
أو مدبرها من قولهم للرئيس الفائق في التدبير: نور القوم، لأنهم يهتدون به في الأمور، أو موجدهما فإن النور ظاهر بذاته مظهر لغيره، وأصل الظهور هو الوجود كما أن أصل الخفاء هو العدم، والله سبحانه موجود بذاته موجد لما عداه، أو الذي به يدرك أو يدرك أهلهما من حيث إنه يطلق على الباصرة لتعلقها به، أو لمشاركتها له في توقف الإدراك عليه، ثم على البصيرة لأنها أقوى إدراكا، فإنها تدرك نفسها وغيرها من الكليات والجزئيات الموجودات والمعدومات، ويغوص في بواطنها، ويتصرف فيها بالتركيب والتحليل.
ثم إن هذه الإدراكات ليست لذاتها وإلا لما فارقتها، فهي إذن من سبب يفيضها عليها، وهو الله سبحانه وتعالى ابتداء أو بتوسط الملائكة والأنبياء ولذلك سموا أنوارا، ويقرب منه قول ابن عباس: معناه هادي من فيهما، فهم بنوره يهتدون.
ثم ذكر في بيان التمثيل وجهين، أحدهما الهدى الذي دل عليه الآيات