وإذا عرفت ما مرت إليه الإشارة فاعلم أنه لابد هنا في تنقيح المرام وتوضيح المقام من إيراد فصلين، يتضح في الأول منهما مسألة هي من فروع الأصول، وفي الثاني مسألة منحلة إلى مسألتين من أصول الفروع، يتبين بهما حقيقة الحال في هذا المجال، وينكشف عن وجه المرام ستر الإشكال، وإن استبق السلف في هذا الميدان، ولم يقصروا في التسابق إلى قصب البيان والتبيان، ولم يتركوا مجالا لجائل ولا مقالا لقائل، إلا انا أيضا نقتفي على آثارهم، ونقتبس من أنوارهم، ليكون الناظر في كتابنا هذا على بصيرة من حقيقة الحال، خبيرا بما قيل هنا أو يقال من وجوه المقال، وعلى الله أستعين انه خير معين.
[الفصل الأول] اما الفصل الأول المشتمل على تحقيق الحال في المسألة الأصولية، فالكلام فيه مبتن على مقدمات خمسة.
الأولى: انه قد تقرر بالأدلة العقلية والنقلية ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) انما كان رسولا صادقا مصدقا أمينا، ما يقول كذبا ولا فندا، ولا يفتري على الله أبدا، ولقد أقسم الله تعالى بالنجم إذا هوى انه: ﴿ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى﴾ (١).
وقال تعالى أيضا في كتابه المبين في بيان انه (صلى الله عليه وآله) رسول أمين من رب العالمين: ﴿ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين﴾ (2) إلى غير ذلك من الشواهد والأدلة.
فهو (صلى الله عليه وآله) ما كان يتفوه بشئ في أحد مما يتعلق بأمر الدنيا أو الآخرة إما من جانب نفسه أو من جانب الله سبحانه، إلا بمقتضى الوحي الذي إليه يوحى لا باتباع النفس وداعية الهوى، وما كان قوله مطلقا إلا قول الله، ولا فعله إلا