العلوم النظرية، فكما ان الحيوان تهيئ الجسم للحركات الاختيارية، والادراكات الحسية، فكذلك القوة الغريزية تهيئ الإنسان للعلوم النظرية، والصناعات الفكرية.
ومنها قوة عواقب الأمور، فتقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة، وتتحمل المكروه العاجل لسلامة الآجل، فإذا حصلت هذه القوة يسمى صاحبها عاقلا، من حيث إن اقدامه بحسب ما يقتضيه النظر في العواقب لا بحكم الشهوة العاجلة، والقوة الأولى بالطبع والأخيرة بالاكتساب.
وإلى ذلك أشار علي (عليه السلام) بقوله:
رأيت العقل عقلين * فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع * إذا لم يك مطبوع كما لا تنفع الشمس * وضوء العين ممنوع (1) قيل: والمطبوع هو المراد بقوله تعالى خطابا له: ((ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك)) (2) والمسموع هو المراد بقوله (عليه السلام): ((ما كسب الإنسان شيئا أفضل من العقل)) (3).
ومنها قوتان أخريان، إحداهما ما يحصل بها العلم بان الاثنين أكثر من الواحد، والشخص الواحد لا يكون في مكانين، فيقال له التصورات والتصديقات الحاصلة للنفس الفطرية، والأخرى التي يحصل بها العلوم المستفادة من التجارب بمجاري الأحوال، فمن اتصف بها يقال انه عاقل في العادة، والأولى منها حاصلة بالطبع، والأخرى بالاكتساب كالأوليين، إنتهى.
وهذه عقول أربعة مشهورة، وترتيبها على ما ذكره بعضهم: العقل الهيولاني كما في الطفل، ويقال العقل بالقوة، والعقل المنفعل وهو الأول من الأوليين، ثم