ومنها أن يكون المعنى أنه جعل ما يصل إليه العقل من تلك الكلمة مدرجا في القلوب، بما أراهم من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم، ومنها انه لم يكلف العقول الوصول إلى منتهى دقائق كلمة التوحيد وتأويلها، بل إنما كلف عامة القلوب بالاذعان لظاهر معناها وصريح مفادها، وهو المراد بالموصول.
ومنها أن يكون الضمير في موصولها راجعا إلى القلوب، أي لم يلزم القلوب إلا ما يمكنها الوصول إليها من تأويل تلك الكلمة الطيبة، والدقائق المستنبطة منها أو مطلقا، قيل: ولولا التفكيك لكان هذا أحسن الوجوه بعد الوجه الأول بل مطلقا.
قولها (عليها السلام): ((وأنار في التفكر معقولها)) الإنارة الإضاءة، يقال: أنار ينير إنارة أي أضاء فهو منير من النور، وهو الظاهر في نفسه المظهر لغيره بمعنى الضياء على ما ذكره الجوهري (١)، فيكون بينهما حينئذ تساو من حيث المعنى، وأضاء يتعدى ولا يتعدى فيكون أنار أيضا كذلك، وكذلك أشرق.
وقيل: النور هو ما كان بالعرض والتبعية، والضياء ما كان بالذات والأصالة، فيكون حينئذ بينهما المباينة، ويشير إليه قوله تعالى: ﴿هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا﴾ (2) لاكتساب ضوئه كسائر الكواكب من نور الشمس، ويحتمل أن يكون الضياء هو الفرد القوي من النور، فيكون بينهما عموم مطلق ولعله الأظهر، والظاهر أنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
والنار أيضا مشتقة من تلك المادة بمناسبة الإنارة، وأصل النار أيضا واوي بدليل تصغيرها على نويرة، وجمع النور أنوار، وجمع النار نيران أصله نوران، والمنارة - بفتح الميم - التي يؤذن عليها، والتي يوضع عليها السراج والمشعل ونحوهما لإضاءة الأطراف، والمناسبة واضحة.
ثم يطلق النور لكل ما كان سببا للهداية مثل التوفيق، كقوله تعالى: (ومن لم