واجتماع المتناقضين أو المتضادين في محل واحد وآن واحد ونحو ذلك، أو بالغير وهذا إما ليس بالاختيار كطيران الإنسان في الهواء، فإن امتناعه لم يحصل باختياره في ظاهر الاعتبار، أو هو من جهة سوء الإختيار كمن دخل باختياره في المكان المغصوب، فهو مكلف بالخروج وعدم الخروج، لأن كلا منهما منهي عنه من جهة التصرف في المغصوب، وهذا ممتنع لكنه حصل بسوء اختيار الشخص.
والمذكور في الخطبة هو الممتنع الذاتي، إذ امتناع رؤيته تعالى بالأبصار ليس بعرضي من جهة المانع الخارجي، بل هو ذاتي أصلي.
والأبصار جمع بصر كسبب وأسباب، قيل: وهو النور الذي تدرك به العين المبصرات، وقد يطلق البصر على نفس العين المبصرة، كما في قوله تعالى:
﴿ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير﴾ (١) على ما قيل، ويمكن إرادة المعنى الأول أيضا، واختلف في إدراك البصر انه بخروج الشعاع أو بالانطباع، والحق عندي اعتبار كليهما أي خروج الشعاع أولا والانطباع بوساطته ثانيا.
ويقال: أبصرته برؤية العين إبصارا، يتعدى بنفسه ولا يتعدى، فيقال: أبصر إليه أي نظر، ويقال: بصرته به - بالتضعيف - بمعنى جعلته بصيرا به.
قال علي (عليه السلام) في نهج البلاغة في وصف الدنيا: ((فمن أبصر بها بصرته، ومن أبصر إليها أعمته)) (٢).
وبصرت بالشيء - بالضم، والكسر لغة - بصرا - بفتحتين -: علمت به فأنا بصير به، يتعدى بالباء في اللغة الفصيحة وقد يتعدى بنفسه، وهو ذو بصر وبصيرة أي علم وخبرة، كذا ذكره في المصباح (٣) وهذا صحيح، وبه فسر قوله تعالى:
﴿بصرت بما لم يبصروا به﴾ (4) أي علمت على وجه.