ولكن استعمل البصر بمعنى الإبصار أيضا، فيكون بصر به بمعنى أبصره أيضا، ومنه قوله تعالى: ﴿فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون﴾ (١) أي نظرت إليه ورأته على وجه، وكذا الآية السابقة على وجه، فالقياس يقتضي مجيء كل من البصر والبصيرة بمعنى الإبصار العيني والعلم القلبي، إلا أنه أغلب استعمال البصر في رؤية العين والبصيرة في رؤية القلب، أو الأول في نور العين والثاني في نور القلب.
وقد يجيء كل بمعنى كل، مثل: ﴿أولى الأيدي والأبصار﴾ (٢) أي أيد من الإحسان وبصائر في الدين، و ﴿لا تدركه الأبصار﴾ (٣) أي الأوهام، و ﴿قد جاءكم بصائر من ربكم﴾ (٤) أي الحجج والبينات، فيكونان من باب إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
ويجمع البصر على الأبصار كما في قوله تعالى: ﴿فاعتبروا يا اولي الأبصار﴾ (٥)، والبصيرة على البصائر كقوله تعالى: ﴿قد جاءكم بصائر من ربكم﴾ (٦) أي سبب البصائر وهي البينات والدلائل، وأما قوله تعالى: ﴿بل الإنسان على نفسه بصيرة﴾ (7) فإنه بمعنى بصير على معنى الفاعل، فالتاء للمبالغة أو صفة باعتبار نفس الإنسان، أو ان البصيرة اسم أو مصدر حمل على الإنسان من باب المبالغة، أو بإضمار مضاف أي هو ذو بصيرة.
ويطلق البصير على من أدرك بالعين وبالقلب، وبمعنى مطلق المدرك، ومنه البصير في أسماء الله بمعنى العالم كالسميع أيضا، إلا ان ظاهر معناه هو الذي يشاهد الأشياء كلها ظاهرها وباطنها لكن من غير جارحة، فالبصر في حقه تعالى