تنبيهان:
الأول: ان قيل: إذا كان نومه صلى الله عليه وسلم يساوي نومنا من انطباق الجفن وعدم السماع حتى أنه نام عن الصلاة، فما أيقظه الا حر الشمس، فما الفرق بيننا وبينه في النوم؟ فالجواب: بأن النوم متضمن أمرين:
أحدهما: راحة البدن، وهو الذي يشاركنا فيه.
والثاني: غفلة القلب، وقلبه صلى الله عليه وسلم مستيقظ إذا نام، سليم من الأحلام، مشتغل في تلقف الوحي والتفكير في المصالح على مثل حال غيره إذا كان منتبها فلا يتعطل قلبه بالنوم كما وضع له (.....).
الثاني: تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم في الوادي وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (ان عيني تنامان ولا ينام قلبي) بأوجه:
الأول: ان القلب انما يدرك الحسيات المتعلقة به، كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك ما يتعلق بالعين، لأنها نائمة والقلب يقظان.
الثاني: انه كان له حالان:
حال كان قلبه لا ينام، وهو الأغلب.
وحال ينام فيه قلبه، وهو نادر. فصادف قصة النوم في الصلاة. قال الامام النووي:
والصحيح المعتمد هو الأول، والثاني ضعيف.
قال الحافظ: وهو كما قال، ولا يقال: القلب - وإن كان لا يدرك - ما يتعلق بالعين من رؤية الفجر مثلا، لكنه يدرك - إذا كان يقظانا - بمرور الوقت الطويل من ابتداء طلوع الفجر إلى أن حمت الشمس مدة طويلة، لا يخفى على من لم يكن مستغرقا لأنا نقول: يحتمل أن يقال:
كان قلبه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك مستغرقا بالوحي ولا يلزم مع ذلك وصفه بالنوم كما كان يستغرق صلى الله عليه وسلم حالة القاء الوحي في اليقظة، وتكون الحكمة في ذلك بيان التشريع بالفعل، لأنه أوقع في النفس، كما في قصة سهوه في الصلاة، وقريبا منه جواب ابن المنير أن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة لمصلحة التشريع، ففي النوم بطريق الأولى، أو على السواء.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي:
وقد أجيب عن الاشكال بأجوبة أخرى ضعيفة منها: ان معنى قوله: (لا ينام قلبي) أي لا يخفى عليه حالة انتقاض وضوئه.
ومنها: ان معناه لا يستغرقه النوم حتى يوجد منه الحدث. وهذا قريب من الذي قبله.
قال ابن دقيق العيد: كأن قائل هذا أراد تخصيص يقظة القلب باحلال حالة الانتقاض،