ابن دحية: اختص النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان له قتل من اتهمه بالزنى من غير بينة، ولا يجوز ذلك لغيره. انتهى.
ولو رفع إلينا ولي قتل غلاما أبواه مؤمنان، واحتج على ذلك بأنه كشف له أنه طيع كافرا لقتلناه، قصاصا بحكم الشرع بالاجماع، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأذن لاحد من أمته أن يقتل بحكم الحقيقة في قتل ولا غيره، ولو أراد أحد من أرباب الكشف أن يقتدي بامام بينه وبينه حائل في غير المسجد لمنع صحة الاقتداء، لحكمنا ببطلان صلاته، ولم نعرج على ما يقع له من الكشف الذي يرفع فيه الجدر وتزال فيه الحجب، لان الأولياء وغيرهم مكلفون بالعمل بالشرع وقد نص أهل الحقيقة على أنه لا يعمل بالحقيقة، وانما هي علم لا عمل فلم يكن لاحد من الأولياء مساواة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأما الأنبياء فمنهم من بعثه تعالى ليحكم بالشريعة فقط، ويعمل بها، كموسى عليه الصلاة والسلام، ولم يأذن له أن يحكم بالحقيقة، ولا يعمل بها، وان علمها، ومنهم من بعثه ليحكم بالحقيقة فقط، ويعمل بها كالخضر عليه الصلاة والسلام، ولم يأذن له أن يحكم بالشريعة، وان علمها ويبعث الله تعالى من يشاء من أنبيائه بما يشاء.
وقال شيخ الاسلام البلقيني في (شرح البخاري) في قول الخضر لموسى: اني على علم من الله علمنيه لا ينبغي لك أن تعلمه، وأنا على علم من علم الله علمكه الله لا ينبغي لي أن أعلمه.
هذا قد يشكل بأن العلم المذكور في الجهتين، كيف لا ينبغي أن يعلمه قال: وجواب هذا حمل العلم على تنفيذه والمعنى لا ينبغي لك أن تعلمه لتعمل به، لان العمل به مناف لمقتضى الشرع، ولا ينبغي لي أن أعلمه فأعمل بمقتضاه، لأنه مناف (لمقتضى) (1) الحقيقة، (قال: فعلى هذا لا يجوز للولي التابع للنبي صلى الله عليه وسلم إذا اطلع على الحقيقة أن ينفذ ذلك بمقتضى الحقيقة) (2)، وانما عليه أن ينفذ الظاهر.
قال الحافظ في (الإصابة): قال أبو حيان في تفسيره: الجمهور على أن الخضر نبي وكان علمه بمعرفة بواطن أوحيت إليه، وعلم موسى الحكم بالظاهر، فأشار إلى أن المراد في الحديث بالعلمين الحكم بالظاهر والباطن لا أمر آخر.
وقد قال شيخ الاسلام تقي الدين السبكي: ان الذي بعث به الخضر عليه السلام شريعة له فالكل شريعة، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه أمر أولا أن يحكم بالظاهر دون ما اطلع عليه من الباطن