والتعظيم صلى الله وسلم عليهما. فان قيل: قد ذكر باسمه في قوله تعالى: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) (الصف 6)، (وآمنوا بما أنزل على محمد) (محمد 2) (وما محمد الا رسول) (آل عمران 144)، (محمد رسول الله) (الفتح 29)، (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) (الأحزاب 40)، وغير ذلك فكيف يتم ما تقدم؟ فالجواب أنه انما ذكر باسمه للتعريف بأنه الذي أخذ الله عهده على الأنبياء بالايمان به، ولو لم يسمه لم يعرفوه بذلك، والنداء انما هو بالاجلال والتعظيم، والتسمية في مقام الخبر، فان قيل: فقد ناداه ب X: (يا أيها المزمل) (المزمل 1)، وب X: (يا أيها المدثر) (المدثر 1) فالجواب: أن هذا من باب التلطيف والرفق.
وقال الامام العلامة جمال الدين محمود بن محمد بن جملة: ان قيل: والحكمة في التصريح باسمه في حديث الأعمى الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه برفع العمى عنه فعلمه أن يقول: (اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، اني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي) إلى آخره فيمكن أن يقال في الأول: انه انما كان كذلك، لأنه لما كان التعليم من جهته تواضع لربه فصرح باسمه إلى آخره.
وأما الثاني: فلم يذكر الاسم فيه الا مقترنا بالتعظيم، وهو وصفه للنبي بالرحمة، إذ المقام يقتضي ذلك، وظهر لي هاهنا معنى حسن وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إذا ألجم الناس العرق وسألوا عن من يشفع لهم إلى ربهم فسألوا آدم فمن بعده إلى أن ينتهوا إلى عيسى، فيقول: اذهبوا إلى محمد، فإنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فذكره باسمه الدال على الصفة التي يحمده بها جميع الخلائق، وكأنه صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود الذي يطلب فيه الشفاعة له، علمهم أن يذكروا هذا الاسم الذي هو صفته في عرصات القيامة، ولهذا قال في آخره: اللهم فشفعه في وحين يأتي في ذلك اليوم، ويخر لربه ساجدا، يقول له ربه سبحانه وتعالى: يا محمد ارفع رأسك، وقل تسمع إلى آخره فيناديه سبحانه وتعالى باسمه يا محمد، لما تقدم من المعنى، وفي الدنيا يناديه البارئ تعالى ب X: (يا أيها النبي) (يا أيها الرسول) فانظر إلى هذا التعظيم العظيم ينادي في كل مقام بأشرف تعظيم يناسبه ذلك المقام ففي الدنيا بالنبوة والرسالة يشهد له بهما، وفي الآخرة لما تحقق الخلائق ناداه باسمه لما اشتمل عليه من المعنى المناسب لذلك المقام، وخص هذا الاسم من بين الأسماء، ليشهد له أيضا سبحانه وتعالى بما دل عليه من المعنى المناسب لذلك اليوم وكيفا سبحانه وتعالى بما دل على صفة يحمده بها الخلق ليستدل بالنداء بها صلى الله عليه وسلم على قبول شفاعته ثم عقب ذلك سبحانه وتعالى بقوله: قل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه فهو تكريم بعد تكريم، وتعظيم بعد تعظيم، وتفخيم بعد تفخيم.