من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فأظهر من استخلافه وأبان من منزلته منه ما استوجب به كلما كان وجب لهارون عليه السلام، واستثنى النبوة ليتحقق له ما عداها من الاحكام التي كان لهارون في قوله تعالى: (أخلفني في قومي) وفي قوله تعالى: (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزرى وأشركه في أمرى فأجاب الله مسألته بقوله تعالى: (قد أوتيت سؤلك يا موسى) فوجب لعلي عليه السلام من النبي (ص) كلما وجب لهارون من موسى عليهما الصلاة والسلام إلا النبوة التي استثناها.
وهذه فضيلة ما شاركه فيها أحد من البشر، ومنقبة فات بها من بقى ومن غبر، وسيرة طرزت عيون التواريخ والسير، ومكارم نبه لها علي فاستغنى عن عمر، ولو علم الله تعالى أن نبيه (ص) يحتاج في هذه الغزاة إلى حرب لم يأذن في تخلفه، ولا رضى بلبثه عنها وتوقفه، ولكنه وعد بأن الجهة التي يقصدها لا يفتقر في نيلها إلى مصاولة ولا يحتاج في تملكها إلى منازلة فاستخلف عليا على حراسة دار هجرته، وحفظ ما يخاف عليه من كيد العدو ومعرته.
ولما عاد رسول الله (ص) قدم عمرو بن معدى كرب الزبيدي فقال له رسول الله: أسلم يا عمرو يؤمنك الله يوم الفزع الأكبر، فقال: ما الفزع الأكبر؟ فإني لا أفزع فقال: يا عمرو انه ليس كما تظن إن الناس يصاح بهم صيحة واحدة فلا يبقى ميت إلا نشر ولا حي إلا مات إلا ما شاء الله. ثم يصاح بهم صيحة أخرى فينشر من مات، ويصفون جميعا وتنشق السماء، وتهد الأرض، وتخر الجبال، وتزفر النيران وترمى النار بمثل الجبال شررا، فلا يبقى ذو روح إلا انخلع قلبه ذكر ذنبه، وشغل بنفسه إلا من شاء الله، فأين أنت يا عمرو من هذا؟ قال: إني أسمع أمرأ عظيما وأسلم وآمن بالله