الضلالة ويصلي إلى قبلتنا، ويطيع أوامر ربنا وأوامر رسوله، ويشهد بما نشهد به ويترك عداوتنا فهو منا ونحن منه، وإن دخل ذمتنا وأدى إلينا الجزية فهو آمن، وأما كل من يريد خصومتنا، فليبرز إلى الميدان، ونحن سنقابله بسيوفنا التي تقطر منها المنايا والسلام.
وحين وصلت هذه الرسالة إلى قادة العجم هاجوا وماجوا وعجزوا عن الجواب وأخذ خالد في ارسال السرايا إلى الأطراف يغيرون عليها حتى لم يبق فيها شيء من المواشي إلا وأحضروه لخالد. ثم ساق خالد الجيوش نحو الحيرة (1) فرأى ثمة حصونا منيعة، ورجالا ذوي خبرة بالحرب مع وفور السلاح لديهم فنزل هناك.
فاضطرمت نار الحرب بين الطرفين وحمي وطيسها، وبينما كان خالد منهمكا في الضرب والطعان قال له ضرار بن الأزور الأسدي (2): أيها الأمير:
(إن هؤلاء قوم عقولهم ناقصة وهم أعداء أنفسهم فإن رأى الأمير أن يطلب منهم رجلا لمفاوضته وبذل النصيحة له فعسى أن تنجح المفاوضة وتكون النتيجة أفضل.
فأرسل إليهم خالد من قال لهم: أخرجوا إلينا رجلا معروفا لديكم بجودة الرأي والعلم لكي يسمع منا ويبلغكم رسالتنا.
فبعثوا إلى المسلمين رجلا يدعى عبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة النسائي (3). وكان رجلا مهيب الطلعة وقورا وقد جاوز عمره المئتي سنة فوصل إلى خالد وأنشده شعرا في مدح آل غسان وصفة مملكتهم منذ أيام المنذر وآل النعمان وقال:
إن هاهنا مراع لم تصطد فيها الأسود، وقد شربت النمور دواء التقوى والقطعان تستطيع أن ترعى في هذه المروج آمنة مطمئنة، والطيور تستطيع الطيران