الراغبين، ويتم نعمته على الشاكرين، ألا! وإني راحل غدا إن شاء الله ولا قوة إلا بالله، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
قال: ثم نزل عن المنبر وأمر الناس بالجهاز، وخرج على بعير له، وعلى البعير غرارتان: في إحداهما سويق شعير وفي الأخرى تمر، وبين يديه قربة الماء، ومن خلفه جفنة يصب فيها أحيانا من ذلك السويق ويبله بالماء، وهو مع ذلك صائم، فإذا كان الليل ونزل الناس نزل عمر رضي الله عنه في آخر العسكر كواحد من الناس ليس له زاد أكثر من سويق الشعير والتمر.
فلم يزل كذلك حتى إذا دنا من أرض الشام بلغ ذلك أبا عبيدة والمسلمين، فاستقبلوه، فإذا هو على بعير له وعليه جبة من صوف وعباءة قطوانية قد تقلد بسيفه وتنكب قوسا له عربية، فلما نظر إليه أبو عبيدة نزل عن فرسه إجلالا له، قال: ونظر عمر إليه أنه قد نزل عن فرسه فأناخ بعيره ونزل عنه، ومشى كل واحد منهما إلى صاحبه، فلما دنا منه أبو عبيدة أهوى عمر بيده إليه ليصافحه، فأخذ أبو عبيدة يد عمر ليقبلها تعظيما له في العامة، فلما أهوى أبو عبيدة ليقبل يد عمر أهوى عمر ليقبل رجل أبي عبيدة، فتنحى أبو عبيدة سريعا وقال: مه يا أمير المؤمنين! فتعانقا جميعا ثم افترقا وركبا، فتسايرا وسار الناس معهما حتى صار عمر إلى دمشق فنزل على باب الجابية.
قال: وأقبل إليه الناس قبيلة بعد أخرى، فجعلوا يسلمون عليه، وفيمن أقبل إليه يومئذ بلال وأبو هريرة وأبو الدرداء أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله)، فأقبل عليه أبو عبيدة فقال: يا أمير المؤمنين! لو ألقيت عنك هذا الصوف ولبست البياض من الثياب لكان أهيب لك في قلوب هؤلاء الكفار، فقال عمر: لا أحب أن أعود نفسي ما لم تعتده، فعليكم يا معشر المسلمين بالقصد! وإياكم وهذه الخيل الهماليج! فإنه ما ركبها أحد قط إلا أعجبته نفسه، وعليكم بهذه الإبل التي أعزكم الله بها ونصركم ببدر وأنتم تقاتلون عليها. قال: ثم أقبل عمر على أبي عبيدة رضي الله عنهما فقال: ما فعل يزيد بن أبي سفيان! ما فعل معاذ بن جبل! أين جماعة المسلمين؟ فقال: يا أمير المؤمنين! العسكر كله نازل على إيلياء ونحن محاصرون أهلها، فقال عمر: ارحلوا إليهم على بركة الله.
قال: فرحل الناس معه إلى إيلياء ومعهم عمر حتى إذا قارب منها استقبله أجل