وبحرا وسهلا وجبلا وما قد اجتمع إليهم من أساقفتهم وقسيسيهم والرهبان، والمسلمون حيث بعث الله إليهم نبيهم محمدا صلى الله عليه وسلم فأعزه بالنصر ونصره بالعرب قال الله عز وجل وهو لا يخلف الميعاد: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾ (١)، وقد علمت يا أبا عبيدة أنه لم تكن شدة قط إلا وجعل الله بعدها فرجا، فلا يهولنك كثرة من جاءك من الكفار فإن الله تعالى منهم برئ ومن برئ الله منه فلا ناصر له ومن لا ناصر له فقد خذله الله ووكله إلى نفسه. فلا يوحشنك قلة المسلمين وكثرة المشركين، فليس بقليل من كان الله عز وجل معه، فأقم مكانك الذي أثرته وناهض عدوك وكفى بالله ظهيرا ووليا ونصيرا، وقد فهمت مقالتك إذ قلت في كتابك أن احتسب أنفس المسلمين إن هم أقاموا أو دينهم إن هم انهزموا فقد جاءهم ما لا قبل لهم به إلا أن يمدهم الله عز وجل بغياث من عنده، وليس الامر كما ذكرت، رحمك الله يا أبا عبيدة! لأنك قد علمت بأن المسلمين إن هم أقاموا وصبروا ثم قتلوا فما عند الله خير للأبرار، وقد قال الله عز وجل: ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا﴾ (2) وأنتم بحمد الله منصورون على كل حال إن شاء الله، فأخلصوا نياتكم لله عز وجل وارفعوا إليه رغباتكم واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
قال: ثم دفع عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتابه إلى عبد الله بن قرط الثمالي وقال له: عجل السير وأسرع ما قدرت، فإذا قدمت على أبي عبيدة فاقرأه مني السلام وأعلمه أني موجه إليه بجيش قبل أن يواقع العدو إن شاء الله ولا قوة إلا بالله.
قال: ثم جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كان بالمدينة ممن يصلح أن يوجه به إلى العدو وعرضهم فكانوا ثلاثة آلاف فارس فضمهم إلى سويد بن الصامت الأنصاري (3) وأمره بالمسير إلى أبي عبيدة، ثم أوصاه فقال له: يا سويد! إنك قد وليت أمر هؤلاء القوم ولست بخير رجل منهم إلا أن تكون أتقى منه فاتق الله عز وجل