أهل دين النصرانية (1) فاعمل بما أوصيك به في حق أجنادك، وعليك بالعدل فيهم، والاشفاق عليهم، والاحتراز من عدوهم، والمسارعة لما يقر بهم من مقصدهم، وعدم التشاغل عند الفرصة، والتثبيت عند الحملة، والجهد في صائب الرأي، والحزم فيما يشكل من الأمور، والعمل بما يقتضيه حكم كتابكم، والوفاء بما يمكن فيه الصدق، والعزم على ما يكون فيه الصواب، واعلم بأن النصر مع الثبات والنجاة مع الميل إلى الحق، وعليك بالعمل بما أوصيك به في الرجال أن توقر كبيرهم ولا تحقر صغيرهم وتكون لهم كالأب الشفيق، واعلم أنه أحق بالذل من سمع وصايا الخير ولم يعمل بها وأنه لجدير أن يكون حقيرا في ملكوت السماوات، وقد تبين لكم أن هؤلاء العرب لم ينصروا على سائر الناس إلا بقبول وصايا الخير والرجوع إلى مشورة الأكابر والعقلاء منهم، فهي الوصلة إلى العاجل في تحصيل المطلوب وفي الآجل إلى الفوز من عالم القديسين، وانكم لن تجتمعوا إن هزموكم هؤلاء والعياذ بالله من ذلك! وكل مقتضى كائن، وقد أوصيتك بما لم يوصه ملك من قبل، فإياك ومخالفتي! وإياك وهوى النفس! فإنه أعظم المصائب وبه يدخل على سائر الخلق الآفات والنوائب، وألن جانبك لهم فإنك بهم تصول على أعدائك.
قال: فلما سمع ماهان وصية هرقل خرج من بين يديه، واستعرض الجيش الذي قدمه هرقل عليه وعسكر بهم ظاهر مدينة أنطاكية لتكامل عدتهم، فكان عدة القوم مائة ألف من النصرانية.
ودعا بوزير له آخر يقال له الديرجان (2)، فتوجه بتاج ووصله بمائة ألف درهم، وضم إليه مائة ألف من النصرانية (3)، ثم دعا بوزير آخر يقال له قناطر (4)، فتوجه ووصله بمائة ألف درهم، وضم إليه مائة ألف رجل. ثم جعل ماهان أميرا على جميع أجناده، وأمر الوزراء والبطارقة والأساقفة أن لا يقطعوا أمرا دونه.
قال: وترك هرقل باقي الجنود عنده بأنطاكية، ثم أقبل على بطارقة الروم