قال: فأقبل رافع ابن هذا مكلم الذئب إلى خالد بن الوليد فقال: أيها الأمير!
أنا أعرف هذه المفازة (1) ولا يخفى علي موضع فيها إن شاء الله، قال فقال له خالد بن الوليد: كم تكون هذه المفازة؟ قال: مسيرة خمسة أيام، وما فيها ما، إلا في موضع وأنا أعرف به، قال خالد: فإني قد جعلتك دليلا فإذا سلم الله عز وجل من هذه المفازة فلك عندي عشرة آلاف درهم وما لك عند الله عز وجل من الثواب أكثر، فقال رافع بن عميرة: أيها الأمير! فإني قد رضيت بذلك ولكن أبغني (1) خمسة وعشرين جملا، فقال: ألقوا إليها العلف اليابس وامنعوها من الماء. ثم أمر بها فألقى إليها العلف فجعلت الإبل تعتلف وقد منعت من الماء، ثم أوردها بعد ذلك فشربت حتى امتلأت أجوافها من الماء ثم أمر بها فكمعت لكيلا تحبر (3)، وأمر الناس أن يستوفروا من الماء، ثم أمر الناس بالرحيل.
قال: فكان كلما سار يوما أمر بخمس (4) من تلك الجمال فنحرت ثم شق أجوافها ثم أمر بالجفان فأحضرت وجعلوا يعصرون ما في كروش الجمال من الماء في الجفان ويمزجونه بالقليل من الماء العذب ويسقى الخيل والبغال والحمير، وأما ما كان معهم من الإبل فإنها لم تذق الماء خمسة أيام، فلم تزل القوم على ذلك، كلما نزلوا ذبحوا خمسة من الإبل فسقوا ما في أجوافها، فلما كان اليوم السادس سار القوم وهم لا يشكون أنهم قاربوا العمران (5). قال: ورمدت عين الدليل فلم يبصر سهلا ولا جبلا وأيس الناس من أنفسهم فأضربهم العطش وخافوا على أنفسهم الهلاك وحميت عليهم الشمس، فقال خالد بن الوليد للدليل: ويحك يا رافع! أين الطريق وأين الماء؟ فقال: لا والله أعز الله الأمير! لا أدري، ولكن أنظروا ميمنة وميسرة، فإن رأيتم شجرة عوسج (6) فقد نجوتم والماء تحت الشجرة وإلا فقد هلكت وهلكتم.