رأى وحيا الله خالدا وقربه.
قال: وسار خالد في جيشه ذلك فلما تقارب من أرض الشام نظر إلى المدينة من مدن الروم يقال لها: تدمر (1) وفيها خلق كثير من الروم، فأقبل حتى أحاط بهم من كل جانب. قال: وخرجت الروم وأقبلوا إلى خالد بن الوليد كالسباع الضاربة واقتتل القوم قتالا شديدا، فقتل من المسلمين أربعة نفر إخوة سعيد وقيس والحجاج وسائب بنو الحارث السدوسي وخامسهم عبد الله بن عبد شمس أخو جرير بن عبد الله البجلي.
قال: ثم نادى خالد بصوت له جهوري وقال: يا أهل الاسلام! الشدة الشدة! فإنكم إن قاتلتموهم وأنتم تريدون ما عند الله رجوت أن لا تقوم لهم قائمة إن شاء الله، قال: ثم حمل خالد وحمل الناس معه على جميع أهل تدمر ولحق خالدا بطريق من بطارقتهم فنفحه بالسيف نفحة أطال قحف رأسه، فانهزم القوم حتى دخلوا مدينة تدمر وأغلقوا على أنفسهم الباب، وأقبل خالد بن الوليد حتى نزل عليهم يومه.
فلما كان من غد ركب في جماعة من أصحابه فدار حول المدينة فلم يقدر لهم خالد على حيلة لوثاقة سورها، ثم إنه عزم على الرحيل عنهم فنادى في أصحابه أن يرحلوا وأقبل حتى وقف حذاءهم ثم قال: والله يا أهل تدمر! لو كنتم في السحاب لاستنزلناكم بإذن الله عز وجل وظهرنا عليكم غير أني أريد المسير إلى أصحابي المقيمين بالشام لأني قد كتبت إليهم وأعلمتهم بقدومي وهم ينتظرونني ولابد لي من السرعة إليهم، ووالله إن أنتم لم تصالحوني هذه المرة لأرجعن إليكم إذا انصرفت من وجهي هذا ثم (2) لأدخلن عليكم مدينتكم ولأقتلن مقاتلتكم ولأسبين نساءكم وذريتكم، وقد أعذرت إليكم وأنذرتكم، وأنا خالد بن الوليد ولعلكم قد سمعتم باسمي.
ثم رحل من عندهم فصاحوا به أن ارجع فإنا نصالحك على ما تريد. قال:
فرجع إليهم خالد بن الوليد فصالحهم على مال أخذه منهم وفرقه في أصحابه.