أن يدع لهم الطاغية، وهي اللات، لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم، فما برحوا يسألونه سنة سنة، ويأبى عليهم، حتى سألوا شهرا واحدا بعد مقدمهم، فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يتسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم، ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الاسلام، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها، وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة، وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه، فقالوا: يا محمد، فسنؤتيكها، وإن كانت دناءة.
فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم، أمر عليهم عثمان بن أبي العاص، وكان من أحدثهم سنا، وذلك أنه كان أحرصهم على التفقه في الاسلام، وتعلم القرآن، فقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله، إني قد رأيت هذا الغلام منهم من أحرصهم على التفقه في الاسلام، وتعلم القرآن.
قال ابن إسحاق: وحدثني عيسى بن عبد الله عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي، عن بعض وفدهم، قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقى من رمضان، بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتينا بالسحور، وإنا لنقول: إنا لنرى الفجر قد طلع، فيقول: قد تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر، لتأخير السحور، ويأتينا بفطرنا، وإنا لنقول: ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد، فيقول:
ما جئتكم حتى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يضع يده في الجفنة، فيلتقم منها.