ثم أمر عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها، فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء، فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، ثم نقضها، ثم عممه بها، وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك، ثم قال: هكذا يا بن عوف فاعتم، فإنه أحسن وأعرف، ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء، فدفعه إليه، فحمد الله تعالى، وصلى على نفسه، ثم قال: خذه يا بن عوف، اغزوا جميعا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم.
فأخذ عبد الرحمن بن عوف اللواء.
قال ابن هشام: فخرج إلى دومة الجندل.
غزوة أبى عبيدة بن الجراح إلى السيف البحر قال ابن إسحاق: وحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه، عن جده عبادة بن الصامت، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى سيف البحر، عليهم أبو عبيدة بن الجراح، وزودهم جرابا من تمر، فجعل يقوتهم إياه، حتى صار إلى أن يعده عليهم عددا. قال: ثم نفد التمر، حتى كان يعطى كل رجل منهم كل يوم تمرة. قال: فقسم يوما بيننا.
قال: فنقصت تمرة عن رجل، فوجدنا فقدها ذلك اليوم. قال: فلما جهدنا الجوع أخرج الله لنا دابة من البحر، فأصبنا من لحمها وودكها، وأقمنا عليها عشرين ليلة، حتى سمنا وابتللنا، وأخذ أميرنا ضلعا من أضلاعها، فوضعها على طريقه، ثم أمر بأجسم بعير معنا، فحمل عليه أجسم رجل منا. قال: فجلس عليه. قال: فخرج من تحتها وما مست رأسه. قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه خبرها، وسألناه عما صنعنا في ذلك من أكلنا إياه، فقال: رزق رزقكموه الله.