أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد بر أمرنا، يقول: يكون آخرنا، وإن الله قد أبقى فيكم كتاب الذي به هدى الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة، بعد بيعة السقيفة.
فتكلم أبو بكر، فحمد الله، وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال: أما بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوى عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
قال ابن إسحاق: وحدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: والله إني لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامد إلى حاجة له، وفى يده الدرة وما معه غيري، قال: وهو يحدث نفسه، ويضرب وحشى قدمه بدرته، قال: إذا التفت إلى، فقال: يا بن عباس، هل تدرى ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: لا أدرى يا أمير المؤمنين، أنت أعلم، قال: فإنه والله، إن كان الذي حملني على ذلك إلا أنى كنت أقرأ هذه الآية: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا - 143 من سورة البقرة)، فوالله إن كنت لأظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها، فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت.