يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإنهم هم الذين يغلبون على قربك، حين تقوم في الناس، وإني أخشى أن تقول مقالة يطير بها أولئك عنك كل مطير، ولا يعوها ولا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار السنة، وتخلص بأهل الثقة وأشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا، فيعي أهل الفقه مقالتك، ويضعوها على مواضعها، قال: فقال عمر:
أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.
قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زالت الشمس، فأجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حذوه تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب، فلما رأيته مقبل قلت لسعيد بن زيد: ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف، قال: فأنكر على سعيد بن زيد ذلك، وقال: ما عسى أن يقول مما لم يقل قبله، فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون، قام فأثنى على الله بما هو أهل له، ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم اليوم مقالة قد قدر لي أن أقولها، ولا أدرى لعلها بين يدي أجلى، فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشى أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب على، إن الله بعث محمدا، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها وعلمناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمناه بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أول يقول قائل: والله ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، وإذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف، ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: " لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم " ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لا تطروني كما أطرى عيسى بن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله "، ثم إنه قد