وكان في الطريق ماء يخرج من وشل، ما يروى الراكب والراكبين والثلاثة، بواد يقال له وادى المشقق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سبقنا إلى ذلك الوادي فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه. قال: فسبقه إليه نفر من المنافقين، فاستقوا ما فيه، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه، فلم ير فيه شيئا. فقال: من سبقنا هذا الماء؟ فقيل له: يا رسول الله، فلان وفلان، فقال: أو لم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى آتيه! ثم لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا عليهم. ثم نزل فوضع يده تحت الوشل، فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب، نم نضحه به، ومسحه بيده، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء الله أن يدعو به، فانخرق من الماء - كما يقول من سمعه - ما إن له حسا كحس الصواعق، فشرب الناس، واستقوا حاجتهم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن بقيتم أو من بقى منكم لتسمعن بهذا الوادي، وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه.
قال: وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، أن عبد الله بن مسعود كان يحدث، قال: قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال: فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر، قال: فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته، وأبو بكر وعمر يدليانه إليه، وهو يقول: أدنيا إلى أخاكما، فدلياه إليه، فلما هيأه لشقه قال: اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه، فارض عنه.
قال: يقول عبد الله بن مسعود: يا ليتني كنت صاحب الحفرة.
قال ابن هشام: وإنما سمى ذا البجادين، لأنه كان ينازع إلى الاسلام، فيمنعه قومه من ذلك، ويضيقون عليه، حتى تركوه في بجاد ليس عليه غيره،