أبا لبابة بن عبد المنذر، أخا بني عمرو بن بن عوف، وكانوا حلفاء الأوس، لنستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم، وقالوا له: يا أبا لبابة! أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، إنه الذبح، قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أنى قد خنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال:
لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله على مما صنعت، وعاهد الله: أن لا أطأ بني قريظة أبدا، ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا.
قال ابن هشام: وأنزل الله تعالى في أبى لبابة - فيما قال سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي قتادة: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون - 27 من سورة الأنفال).
قال ابن إسحاق: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، وكان قد استبطأه، قال: أما إنه لو كان جاءني لاستغفرت له، فأما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه.
قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط أن توبة أبى لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم [من السحر] وهو في بيت أم سلمة.
فقالت أم سلمة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك. قالت: فقلت: مم تضحك يا رسول الله؟ أضحك الله سنك، قال: تيب على أبى لبابة، قالت: قلت: أفلا أبشره يا رسول الله؟ قال: بلى، إن شئت.
قال: فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب، فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك. قالت: فثار الناس إليه ليطلقوه فقال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده،